عالم الإبداع: خطب منبرية

مدونة عامة في كل المجالات

أهم المواضيع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات خطب منبرية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خطب منبرية. إظهار كافة الرسائل

2021/09/25

سبتمبر 25, 2021

مراقبةالعبد ربه في نفسه وجميع أموره و أحواله

 خطبة مكتوبة بعنوان:

#مراقبة_العبد_ربه_في_نفسه_وجميع_أموره_وأحواله “

 



الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله جابرِ قلوب المُنكسرة قلوبهم مِن أجْلِه، وغافرِ ذنوب المستغفرين بفضله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا شيء كمثله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه بالهدى ودين الحق ليُظهِرَه على الدين كلِّه، وخيَّرَه بين أنْ يكون ملِكًا نبيًّا أو عبدًا رسولاً، فاختار مقام العبودية مع الرسالة، تنويهًا بشرَف هذا المَقام وفضلِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والمستمسكين مِن بعدِهِم بحبلِه.

أمَّا بعد أيُّها الناس:

فإنَّ مِن أعظم وأنفع ما يَعظ بِه الواعظون، ويُوصِي بِه الموصُون، ويَنصح بِه الناصحون، ويُرشِد إليه المتكلِّمون: “مراقبةَ العبد ربَّه ــ جلَّ وعلا ــ في نفسه، وفي جميع أموره وأحواله، ومع جميع خلقه، وفي السِّر والعلَن، والحضَر والسفر”.

فراقبوا الله ــ جلَّ وعزَّ ــ في جميع أحوالكم، وسائر أوقاتكم، وفي كل ما تفعلون وتَذرون، فإنَّه سبحانه مطَّلِع على قلوبكم، ومطَّلِع على أقوالكم، ومطَّلِع على أفعالكم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يَخرج عن علمه شيء في سائر الأزمان، ولا يَغيب عنه مثقالُ ذرة مِن طاعة أو عصيان، وقد قال سبحانه مُرهِّبًّا لنا: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، أي: مراقبًا لنا ولكل شيء، وعالمًا بِنا وبكل شيء، وقائمًا علينا وعلى كل شيء، وقادرًا علينا وعلى كل شيء، فالخلق خلقُه، والأمر أمْرُه، وإليه يُرجع الأمر كلُّه، له ما بين أيدينا، وما خلفنا، وما بين ذلك، وما كان ربُّك نسيًّا.

وسُئِل إسماعيل بن نُجيد ــ رحمه الله ــ: (( مَا الَّذِي لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْهُ؟ قَالَ: مُلَازَمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى السُّنَّةِ، وَدَوَام الْمُرَاقَبَةِ )).

واعلموا أنَّ مراقبة الله العزيز القادر تتأكد علينا في أحوال ثلاثة:

الحال الأوَّل: أنْ نُراقِبَه سبحانه حين فِعل الطاعات والعبادات القولية والفعليه.

فنُراقِبَه في قصْد قلوبنا مِن فِعلها، وهل مرادنا وجْهَه سبحانه ورضاه عنَّا أو حصول الذِّكر والمدح والسُّمعة والشُّهرة، هل المُحرِّك لنا إليها هو الهَوى والنَّفس أو هو الله تعالى خاصة، لأنَّ هذه المراقبة تُصلِح قلوبنا، وقد قال أبو حفصٍ لأبي عثمانَ النيسابوري ــ رحمهما الله ــ: (( إِذَا جَلَسْتَ لِلنَّاسِ فَكُنْ وَاعِظًا لِقَلْبِكَ وَنَفْسِكَ، وَلَا يَغُرَّنَّكَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ يُرَاقِبُونَ ظَاهِرَكَ، وَاللَّهُ يُرَاقِبُ بَاطِنَكَ )).

ونُراقِبَه في صفة فِعلها حين أدائها، وهل فِعْلُنا لها مبنيٌّ على علمٍ أمْ على جهل، أموافقٌ للسُّنَّة أمْ مُخالف، لأنّ هذه المراقبة تُصلِح طاعاتنا وعباداتنا وأعمالنا، وتجعلها مقبولة عند الله ربنا وحسَنة، إذ العبرة في شريعة الله إنَّما هي بحُسن العمل لا بكثرته، حيث قال الله سبحانه في أوَّل سورة المُلك: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }، والعمل لا يكون حسنًا ومقبولًا عند الرَّب تعالى وتقدَّس إلا بشرطين يجب أنْ يُحققهما العامل:

أوَّلُهُما: أنْ يكون قصده مِن عمله حين فِعله له هو وجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته.

والثاني مِنهما: أنْ يكون ما عمله مِن عملٍ قد دَلَّ عليه دليل مِن الشريعة.

وقد ثبت عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي بِدْعَةٍ ))، أيْ: فِعلُ عملٍ قليلٍ عليه دليل مِن السُّنَّة النَّبوية خيرٌ وأعظم مِن فِعل عملٍ كثيرٍ ليس عليه دليل.

وما لا دليل عليه في الشرع يُسمَّى بِدعة، والبِدعة محرٌّمة بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي مِن أغلظ وأشدِّ المحرَّمات.

الحال الثاني: أنْ نُراقِبَه سبحانه عند الهَمِّ بفعل السيئات والخطيئات.

سيِّئات القلب، مِن حُبِّه وبُغضه على خلاف شريعة الله، وغِلِّه وحِقده وحَسده وضغينته وكُرْهه، وسيِّئات اللسان، مِن غِيبةٍ ونَميمة وكذب ولعن وسَبٍّ وسُخرية واستهزاء وقولٍ في دين الله بغير علم، وسيِّئات الجوارح، سيِّئات السَّمْع والبَصر واليدين والقدمين والفَرْج، لأنَّ هذه المراقبة تنفعنا أشدَّ نفع، ويَحصل لنا بِها غُنمٌ كبير، ونَجد خيرَها وبركتَها وثمرَتها في الدنيا قبل الآخرة، حيث تمنعُنا عن مُقارفة كثير مِن الآثام والفواحش والقبائح، أو على الأقَلّ تُخفِّف مِن فِعلنا لها وتُقلِّل.

الحال الثالث: أنْ نُراقِبَه سبحانه في الخَلوة والسِّر كما نُراقبه في العلَن.

فنُراقِبَه في الخلوة حين لا يرانا أحد مِن الناس، ولا يعلم بنا أحد مِن الخلق، حين نخلو بأنفسنا، أو نبتعد عمَّن يَعرفنا، فلا نتجرَّأ على فِعل المعاصي، ومُقارفة الفواحش، وإتيان القبائح، وترْك الفرائض، وتعطيل الواجبات، وتضييع الحقوق، لأنَّ بعض الناس تَضعُف عنده مراقبة الله إذا خلا بنفسه وانفرد عن أهله أو رفاقه أو غيرهم، فتراه يجترأ على محارم الله، فيُمارس المحرمات والقبائح أو يَنظر إليها عبر الفضائيات، وفي مواقع الإنترنت، أو يتكلَّم بها عبْر الهواتف وبرامج التواصل مع مَن لا يَحِلُّ له مِن الإناث أو الذكور، وبعضهم تَضعُف عنده مراقبة الله تعالى أكثر إذا سافر وترَك مدينته وقريته وأهله وأقاربه ورِفاقه فيفعل مِن الرذائل والقبائح والفواحش ما يَشيب له الرأس، ويترُك مِن الفرائض الكثير، فقد أصبح في بلاد غُربة لا يعرفه أهلها، ولا يَدرون مَن هو، فلا يستحيي مِنهم، ولا يخشى الفضيحة بينهم، ولا يَخاف عقوبة، فقد يكون في بلد تسمح بالفجور، ولا تُجرِّم انتهاك محارم الله، وتجاوز حدوده.

ولئنْ خلا صاحب هذا الحال عن الناس أو ذهب عن بلده وأهله ومَن يعرفونه فأين يذهب مِن  ربِّه ــ عزَّ وجلَّ ــ القائل في تنزيله ووحيه مُحذِّرًا: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }، معكم بعلمه وقدرته في جميع أماكن وجودكم مِن الأرض، فهو سبحانه يرانا ونحن في البَرِّ، ويرانا ونحن في الجوِّ، ويرانا ونحن في البحر، يرانا ونحن في بيوتنا وبلداننا مع أهلينا وقرابتنا وأصدقائنا، ويرانا ونحن في غير بلداننا مع الغرباء والأباعد، ويرانا ونحن في الأسواق، وفي الطُّرقات، وفي الفنادق، وفي المراكب، وفي الملاعب، وفي البحار، وفي المسابح، وفي الملاهي.

أين نفر، وكيف نتخفَّى، وبمَن نَلوذ ونحتمِي، لا مفرَّ مِن الله إلا إليه، فهو معنا بعلمه وإحاطته، ومعنا بسمعه وبصره، ومعنا بقدْرته علينا أينما كنَّا، وحيث تواجدنا، وعلى أيِّ حالة صِرنا، ومع أيِّ الناس شئنا.

 وهذا من أعظم وأشد وأغلظ الوعيد الصارف للعبد عن اقتراف الآثام، والتقصير في العبادات، وإضاعة الحقوق، والتفريط في الواجبات لِمَن كان له قلب ليِّن مُنيب حيٌّ سلِيم.

أين يذهب مَن هذه حاله مِن قول ربِّه سبحانه مُتوعِّدًا ومهدداً: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِل الْمِرْصَادِ }، أي: يَرصُد أعمال العباد في الدنيا فلا يفوته مِنها شيء وإن دَقَّ، ولا يَعزُب عنه ما فعلوه في شبابهم ولا ما فعلوه في كُهولتهم، ولا ما فعلوه في شيخوختهم، وهو بالمرصاد لِمَن يُبارزه بالعصيان، والتفريط فيما أوجَب، حيث يُمهله قليلاً، ثم يأخذه أخْذَ عزيز مُقتدِر، أخْذًا أليمًا، أخذًا وبيلًا، حينها يقول مُتحسِّرًا مُتألِّمًا: { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }{ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي }.

أيُّها الناس:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ )).

وفي هذا الحديث الشريف بيانٌ لحال صِنفين من الناس:

أوَّلُهما: قوي المراقبة لله تعالى.

وهو الكيِّس اللَّبيب الحازم العاقل الذي ينظر في عواقب ما يَفعل ويترُك، ويقول ويسمع، فهو يُجاهد نفسه، بل يقهرها، ويستعملها فيما يعلم أنَّه ينفعها في دنياها، وبعد موتها في قبرها وآخِرتِها، حتى ولو كانت كارهة لذلك، فالنفس أمَّارة بالسوء إلا ما رَحِم ربِّي، فتحتاج إلى مجاهدةٍ شديدة، وقهرٍ لها وقسْر، وصبر على ذلك ومُصابرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ))، وقال رجلُ لعبد الله بن عَمروٍ ــ رضي الله عنه ــ: (( مَا تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ فقَالَ له: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا )).

والثاني مِنهما: ضعيف المراقبة لله بل عاجزها.

ومِن ضَعْفِ مراقبته وشدَّة عجزِه أنَّ كلَّما هوته نفسه وأرادت فِعله مِن شهوة أو معصية أجاب طلبها ولبّاه وبادر إليه، وهذا هو العاجز الأحمق الجاهل الذي لا يفكِّر في عواقب ما يَفعل ويترُك ويقول ويسمع، بل يُتابع نفسه على ما تهواه وتشتهيه، وهي لا تهوى إلا ما تظن أنَّ فيه لذَّتَها وشهوتَها في العاجل، وإنْ عاد ذلك بضرٍر لها فيما بعد الموت، وقد يعود ذلك عليها بِالضَّرر في الدنيا قبل الآخِرة، فيحصل له العار والفضيحة وسُقُوط المنزلة والهوان والخِزي، ويُحرَم بسبب ذلك مِن العلم النافع، والبركة في الرِّزق، وغير ذلك مِن الخيرات.

وفقني الله وإيَّاكم لاتباع رضوانه، وغمرَني وإيَّاكم بعفوه وغُفرانه، ورزقني وإيَّاكم خيرات بِرَّه وإحسانه، وأدخلنا في زُمرة أحبابه المخصوصين بِمَنِّه وأمانه، إنَّه سميع مجيب.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله ربَّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، كما يُحِب ربُّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهِه وعِزِّ جلاله، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد، فيا أيًّها الناس:

إنَّ مِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة: ما حصل مِن نبي الله يوسف ــ عليه السلام ــ حين راودته امرأة عزيز مِصر عن نفسه حين خلَت بِه وغلَّقت الأبواب، حيث قال الله سبحانه عن ذلك: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }.

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما جاء في قصة الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى غارٍ فانحدَرَت صخرةٌ فانطبقت عليهم، وأغلقت باب الغار، فقالوا: انظروا ما عملتم مِن الأعمال الصالحة فاسألوا الله تعالى بِها فإنَّه يُنجِّيكم، فذَكر كل واحد مِنهم سابقة خيرٍ سَبقت له مع ربَّه، فانحدَرَت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون، وقصتهم مشهورة في “صحيح البخاري” وغيره، وكان مِن قول أحدِهم ومراقبته لربِّه: (( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا )).

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما صحَّ عن نافع مولى ابن عمر ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ــ رضي الله عنهما ــ لَقِيَ رَاعِيًا بِطَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ: بِعْنِي شَاةً؟ قَالَ: لَيْسَتْ لِي. قَالَ لَهُ: فَتَقُولُ لِأَهْلِكَ أَكَلَهَا الذِّئْبُ؟ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ، قَالَ: اسْمَعْ، وَافِنِي هَاهُنَا إِذَا رَجَعْتَ مِنْ مَكَّةَ، وَمُرْ مَوْلَاكَ يُوَافِينِي هَاهُنَا، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَ رَبَّ الْغَنَمِ وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ، وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغُلَامَ، فَأَعْتَقَهُ وَوَهْبَ لَهُ الْغَنَمَ )).

جعلني الله وإيَّاكم مِمَّن إذا ذُكِّر ادَّكَر، وإذا وعِظ اعتبر، وإذا أُعطِي شَكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنَب استغفر، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، واجعلنا مِمَّن يكون يوم القيامة مُنعَّمًا مسرورًا، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄

سبتمبر 25, 2021

سهام الليل خطبة جمعة

سهام الليل خطبة جمعة


|| #سهــام_اللــيل ||


🎙للشيخ الداعية البليغ أبي المنهال #فايز_بن_محمد_المغلسي حفظه الله تعالى


*🕌ألقيت في #مسجد_الإعتصام بمدينة الحديدة_اليمن لعام ١٤٤٣هـ*

 *الخطبة الأولى* 


الحمد لله العليم الأعلم ، علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ، الحمد لله الذي حرم الظلم ومنع الحقوق أن تهضم ،

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الأعظم ،

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأكرم ، دعا إلى المحبة والسلم ، ونهى عن القهر والظلم ، أفضل من أطاع ربه وأسلم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الشيمِ والكرم ، ومن سلك سبيلهم الأسلم وطريقهم الأقوم ،


▪️أما بعد عباد الله اعلموا أن الظلم ذنب عظيم ، وإثم وخيم ، هو سبب الفساد والفتن ، والعقاب والمحن ، الظلم منبعُ الرذائل والسيئات ، ومصدرُ الشرور والمهلكات ، متى ما فشى في أمة أذن الله بزوالها وهلاكها ودمارها ، 

*﴿وَتِلكَ القُرى أَهلَكناهُم لَمّا ظَلَموا وَجَعَلنا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا﴾* [18:59] - الكهف

فأين القرى الظالمة ، وأين الأمم القاهرة ، لقد نزلت بهم الفواجع ، وحلت بهم المواجع ،

*﴿فَكُلًّا أَخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾* [29:40] - العنكبوت.


▪️فمهما بلغت قوة الظلوم ، ومهما ضعف المظلوم ، فإن للظالم نهاية ولا بد ، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ هذه الآية *﴿وَكَذلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ القُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليمٌ شَديدٌ﴾* [11:102] - هود ،


 ▪️أيها المؤمنون أيها الأخيار والصالحون ، حذر الله عز وجل من الظلم والبغي وبخسِ الحقوق والتعدي على الناس في أموالهم وأعراضهم وممتلكاتهم في آيات كثيرة ،  

وفي حجة الوداع وقف صلى الله عليه وسلم خطيباً وقال ( إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ، اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد ) 

وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) وقال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات فإن الظلم ظلمات يوم القيامة )  رواه مسلم 

وقال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تُحمل على الغمام فيقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين ) رواه الطبراني وحسنه الألباني ،


▪️دعوة المظلوم لا تغلق أمامها الأبواب ، ولا تردها الشٌرط والحُجاب ، قال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة كأنها شرارة ) ،

وقال صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم ودعوة المظلوم) رواه الإمام أحمد بسند صحيح ،

كان يزيد بن حكيم يقول ما هبتُ شيئاً قط هيبتي لرجل ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله فيقول لي حسبي الله ، الله بيني وبينك الله بيني وبينك ،

 وقال أبو الفضيل التميمي قال لي والدي يا بني إحذر أن تخاصم من إذا نمت بات منتبهاً يدعو عليك بات منتبهاً يدعو عليك وعين الله لم تنمِ سبحان وتعالى ،

ذكر بن كثير في البداية والنهاية أن أحد ملوك البرامكة كان في ترف وفي ملك وفي مال وفي ثراه ، بل بلغ به الترف أن بناته في يوم من الأيام أشرفن من شرفة القصر فرأين بنات الفقراء يلعبن بالماء والطين ، فاشتهين أن يلعبن مثلهن بالماء والطين ، فأحضر لهن ماء الزعفران ، وماء الورد ، وتراب المسك ، كي يلعبن كما يلعب بنات الفقراء ، وما هي إلا أيام وأُخذ ذلك المال ،وذهب ذلك الجاه، وذهب ذلك الملك ، وأودع في غياهب السجون مع ولده ، فقال الولد للأب يا أبتي أبعد العز والملك في السجن والقيت ، فقال يا بني هذا بدعوة مظلوم سرت بالليل صارت بالليل غفلنا عنها والله عز وجل ما غفل عنها ، 

أتهزأُ بالدعاء وتزدريه وما تدري ما صنع الدعاءُ سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أجل وللأجل انقضاءُ ،


▪️وروى البخاري في صحيحه أن أهل الكوفة جاءوا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتكون سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه فبعث عمر رجالاً إلى الكوفة يبحثون عن سعد وعن حال سعد ، فكانوا لا يمرون على مجلس من مجالس الكوفة إلا وأثنوا عليه خيرا ، حتى أتوا إلى مسجد من مساجدهم فقام رجل منهم فقال إن سعد لا يسير في السرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية ، فقام سعد رضي الله عنه ورفع يديه إلى السماء وقال اللهم إن كان عبدك هذا قام كاذباً رياءً وسمعة ، اللهم فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن ، 

فاستجاب الله دعوة سعد فأطال الله عمر ذلك الرجل وأطال الله فقره وكان يتعرض للإيماء في السكك فاذا قيل له في ذلك ، يقول شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد ، 


▪️وذكر التنوخي أن أحد وزراء بغداد اعتدى على امرأة عجوز ، أخذ أموالها ، وصادر أملاكها ، فجاءت إليه تشتكي وتبكي من ظلمه وقهره ، فسخر بها واستهزأ بها ، فقالت له لأدعون الله عليك ، فقال مستهزئاً بها ، عليكِ بالثلث الأخير من الليل ، عليكِ بالثلث الأخير من الليل ، فرجعت تلك العجوز إلى بيتها وقد امتلأت كمدا وحزنا وبكاء والما ، على هذا الظلم العظيم الذي لا راد له الا الله ، فجعلت ترفع يديها في الثلث الأخير من الليل وتدعو على ذلك الوزير ، وما هي إلا أيام قلائل ، وعزل ذلك الوزير وصودرت أمواله ثم أخذ إلى السوق ليجلد أمام الناس تعزيراً وعقوبة له على أفعاله المشينة ، 

فجاءت تلك العجوز وهي تجر خطاها إلى أن وصلت إليه وقالت يا هذا لقد أحسنت أحسنت حين ما وصفت لي الثلث الأخير من الليل الثلث الأخير من الليل ، 


▪️واستمعوا إلى هذه القصة التي ذكرها الإمام الذهبي في كتاب الكبائر ، قال رحمه الله قال بعضهم رأيت رجلا قد قطعت يده من الكتف وهو يصيح بالأسواق ويقول من رآني فلا يظلمن أحدا ، وقلت له يا عبد الله ما هي قصتك ، 

قال يا فلان أنا كنت من أعوان الظلمة ومن أعوان الفجرة ، وفي يوم من الأيام رأيت صياداً قد أصطاد سمكة فقلت له أعطني إياها فقال لي لا ، إني اصطدت هذه السمكة لأشتري بها قوتاً وطعاماً لاولادي ، قال فضربته وأخذت تلك السمكة منه بالقوة ، قال وبينما أنا أمشي بالطريق إذ بتلك السمكة قد عظتني في إبهامي عظة قوية ، قال فلما رجعتُ إلى البيت إشتد الألم وتورمت أصبعي ، فذهبت إلى الطبيب فقال لي هذه بادئة الأكلة في أصبعك وإن لم تقطع الأصبع فان اليد ستزول ، قال فقطع أصبعي لكن الألم ما زال ، بل إشتد الألم ، فذهبت إلى الطبيب فقال لابد من قطع الكف حتى لا يتسرَ المرض إلى جميع اليد ، قال فقطعت الكف ، ثم ما زال الألم ثم ما زال الألم يشتد يوماً بعد يوم ، فذهبت إلى الطبيب فقطع يدي من المرفق ، ثم قال ما زال الألم يشتد بي شيئاً فشيئا ، ثم قطعت يدي من الكتف ، فقابلت أحد الناس فقال لي يا فلان ما قصة قطع يدك ، فأخبرته بقصة صاحب السمكة فقال لي أما والله لو أنك ذهبت في بادئ أمرك إلى صاحب السمكة واستسمحمت منه لما فعل بك ما فعل ، ولما قطعت يدك ، قال فذهبت إلى الرجل أبحث عنه في المدينة حتى لقيته فارتميت بين رجليه وأنا أبكي وأنا أتضرع إليه أن يسامحني ، فقال لي يا فلان أنا لا أعرفك من أنت ، فقلت يا هذا أنا الذي أخذت منك السمكة ، سألتك بالله إلا عفوت عني ، إلا عفوت عني ، قال فلما رأى حالي رق لي وبكى ، وقال عفوت عنك فقلت أعاهدك بالله أني لا أكون من أعوان الظلمة ولا من أعوان الفجرة ما دمت حيا ، 


أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ،،


▪️ *الخطبة الثانية*▪️


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ،


▪️أما بعد ، حينما يقتل الأبرياء ، ويقهر الضعفاء ، ويتجبر الأقوياء فلا حزن فهناك مدعو وهو الله ، وهناك دعوة مستجابة وهي دعوة المظلوم ، حينما تسلب الحقوق ، فيأخذ الغني حق الفقير ، والقوي حق الضعيف ، فلا أسى فهناك مدعوم ، وهناك دعوة ، حينما تكفر دموع المظلومين ، ويشتدُ أنين المكروبين ، ويشتدُ أنين المكروبين ، لكثرة الظالمين الفاجرين ، فلا كمد فهناك مدعو وهو الله ، وهناك دعوة وهي دعوة المظلوم ، فيجد العبد المظلوم رباً قوياً قادراً يرجوه ، وربا رحيماً يدعوه ، فيجيب سؤاله ، ويعطيه نواله ، وهو ارحم به من نفسه ، وأرحم به من أبويه ، وأرحم به من كل راحم ، فيعطيه سؤاله ، ويجيب دعائه ، ويعطيه نواله ، رحمة به ورأفة ، *﴿إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُم رَحيمًا﴾* [4:29] - النساء ،  


▪️حينما يُظلم العبد يجد رباً عليماً سميعاً ، علمه أحاط بكل شيء ، *﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ وَلا فِي السَّماءِ﴾* [3:5] - آل عمران ،

حينما يُظلم العبد يجد رباً يجيب دعوته ، ويسمع مظلمته ، *﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾* [2:186] - البقرة


▪️فيا ويل من يظلم إنساناً لا يجد له ناصراً إلا الله ، ويا ويل من يظلم إنساناً لا يجد له ولياً إلا الله ، ويا ويل من يظلم إنساناً لا قوي له إلا الله ، 

قال صلى الله عليه وسلم ( دعوة المظلوم تُحمل إلى الغمام كأنها شرارة فيقول الله وعزتي وجلالي لانصرنكِ ولو بعد حين ) ، 


▪️معشر المسلمين دعوة المظلوم مستجابة ، لو كان المظلوم فاجرا ، أو فاسقا ، أو كافرا ، فما دام مظلوما فإن الله يجيب دعوته ، ويسمع شكواه ، قال صلى الله عليه وسلم (حينما بعث معاذ إلى أهل اليمن إنك يا معاذ تقدم على قوم من أهل الكتاب فاتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب ) متفق عليه 

وقال صلى الله عليه وسلم ( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب ) وقال صلى الله وسلم دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ) رواهما الامام أحمد وحسنهما العلامة الألباني رحمه الله ،


 ▪️أيها المؤمنون أيها الأخيار والصالحون ، صور الظلم التي تعشعش في أوساط المجتمع كثيرة جدا ، فكم من المظلومين هُظم حقهم ، وأخذت أموالهم ، وصودرت أملاكهم واتهموا بما هم منه براء  كبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام ،

ألا وإن من صور الظلم ومن أشدها ظلم الوالدين ، فكم من الأبناء من يظلم والديه ، ويعتدي عليهما ، ويأخذ حقهما ، ويهملهما وهما بحاجة ماسة إلى رعايته ، وإلى كفالته ، وإلى ما يعود عليهما بالنفع في الدنيا والأخرة ، 

الوالدان ، وما أدراك ما الوالدان حقهما عظيم ، لقد قرن الله حقهما بحقه سبحانه ، فقال عز وجل *﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا﴾* [17:23] - الإسراء ،

ونهى الله عن التعدي عليهما ولو كان ذالك بالكلام اليسر قال الله *﴿فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا﴾* [17:23] - الإسراء  

فكم من الأبناء فكم من الأبناء من يرفع صوته على صوت أمه ، وعلى صوت أبيه ، بل لقد وصل الحال ببعض الأبناء إلى أن يسب وإلى أن يشتم ، وإلى أن يلعن والديه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، بل والله لقد وصل الحال ببعض الأبناء إلى أنه يضرب والديه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ،


▪️ومن الظلم ظلم الأبناء بالتقصير في حقهما وعدم تربيتهما وعدم تعليمهما الدين الصحيح الذي أنزله الله وشرعه رسوله عليه الصلاة والسلام ، 


▪️ومن الظلم ظلم الزوجة فكم من الأزواج من يعتدي على زوجته المسكينة الضعيفة ، فربما ضربها وسبها وشتمها ومنعها من حقوقها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وهكذا العكس كم من الزوجات من تظلم الزوج فتمنعه من حقوقه ، وتعتدي عليه ، وتفرط في بيته ، وتفرط في أولاده ، وتفرط في حقه ،


▪️ومن الظلم عباد الله التعدي على الأيتام وعلى الفقراء وعلى المساكين قال الله *﴿إِنَّ الَّذينَ يَأكُلونَ أَموالَ اليَتامى ظُلمًا إِنَّما يَأكُلونَ في بُطونِهِم نارًا وَسَيَصلَونَ سَعيرًا﴾* [4:10] - النساء


▪️ومن الظلم التعدي على الناس في أملاكهم ، وفي أراضيهم ، وفي بيوتهم ، وفي عقاراتهم ، 

قال صلى الله عليه وسلم ( من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضيه طوقه من سبع أراضين يوم القيامة ) ،


▪️ومن الظلم *التعدي على العلماء الربانيين* ، والدعاة المصلحين ، الذين يبلغون دين الله ، والذين يؤدون أمانة الله ، فكم من الناس من يقع في أعراضهم ، ويسبهم ويشتمهم ويلعنهم ، ويشوه صورتهم ، ويرفع ضدهم القضايا الكاذبة ، والإتهامات والإتهامات التي هم منها براء ، فتؤدي هذه الإتهامات إلى سجنهم وإلى تعذيبهم وإلى التشويه بهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ،

▪️وسنة الله *أن من اعتدى على العلماء* ، بتشويه صورتهم ، أو الإعتداء عليهم ، فان العقوبة تلحقه في الدنيا قبل الأخرة ، لأن لحوم العلماء لأن لحوم العلماء مسمومة ، من أكلها مات ومن شمها مرض ، 


▪️ومن الظلم عباد الله ظلم الحكام لرعيتهم ظلم الحكام لرعيتهم ، قال صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته إلى أن قال فإمام راع ومسؤول عن رعيته والناس لا ينصبون الحكام ولا الوزراء ولا الرؤساء ولا الائمة إلا من أجل أن يقيموا العدل ويأخذون للضعيف حقه من القوي ، وللفقير حقه من الغني ، فاذا كان الحاكم هو الظالم فعلى الدنيا السلام ، 

وقد يقع الظلم من الرعية لحكامهم بعدم السمع والطاعة لهم التي أمرنا الله أن نسمع ونطيع كما قال عليه الصلاة والسلام ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) 

وهكذا من ظلم الحاكم عدم الطاعة والتشويه والإنقلابات إلى غير ذلك ،


▪️وصور الظلم عباد الله كثيرة جدا فعلى المسلم أن يجتنب الظلم بكل أشكاله ، وبكل صوره ، وبكل أنواعه ، ونداءٌ أخير إلى ذلك المظلوم يا من ظلمت وأخذت حقوقك وسلبت أموالك إعلم إن الله عز وجل سينتقم لك ، وسيأخذ حقك من ذلك الظالم في الدنيا أو في الأخرة في الدنيا أو في الأخرة ،

فأكثر من الدعاء وأكثر من دعاء ذي النون *﴿لا إِلهَ إِلّا أَنتَ سُبحانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ﴾* [21:87] - الأنبياء ،


▪️فيا عبد الله إياك إياك والظلم لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ، فالظلم عقباه فالظلم عقباه ترجع إلى الندمِ فالظلم عقباه ترجع إلى الندمِ فأنت تنام والمظلوم لا ينام يدعو عليك وعين الله لا تنامِ 

فيا عبد الله إياك إياك والظلم فإن من ظلم فان العقوبة ستلاحقه في الدنيا والأخرة وسنة الله جارية في كل من ظلم فان الله يهلكه ويدمره في الدنيا قبل الأخرة ..


▪️اللهم اعز الاسلام والمسلمين وانصر الاسلام والمسلم ودمر اعدائك اعداء الدين 

اللهم ولي علينا الاخيار واصرف عنا الاشرار 

اللهم من ارادنا او اراد بلدنا بسوء اللهم فاشغله في نفسه واجعل تدبيره تدميرا عليه يا رب العالمين ويا ارحم الراحمين ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار اقم الصلاة ..


 ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا

2021/07/03

يوليو 03, 2021

أربعون فائدة لمن يُصلي على النبي ﷺ

 

أربعون فائدة لمن يُصلي على النبي ﷺ


أربعون فائدة لمن يُصلي على النبي ﷺ 


▪قال ابن القيّم رحمه الله:


" - في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه الصلاة والسلام:


• ١- امتثال أمر الله.

• ٢- موافقة الله سبحانه وتعالى في الصلاة على النبي ﷺ وإن اختلفت الصلاتان.

• ٣- موافقة الملائكة فيها.

• ٤-  الحصول على عشر صلوات من الله تعالى على المصلي مرة واحدة.

• ٥- يرفع العبد بها عشر درجات.

• ٦- يكتب له بها عشر حسنات.

• ٧- يمحى له بها عشر سيئات.

• ٨- أنها سبب في إجابة الدعاء.

• ٩- سبب حصول شفاعة المصطفى ﷺ .

• ١٠- سبب لغفران الذنوب.

• ١١- سبب لكفاية الله سبحانه وتعالى العبد ما أهمّه.

• ١٢-  قُرب العبد من النبي ﷺ يوم القيامة.

• ١٣- قيام الصلاة مقام الصدقة لذي العسرة.

• ١٤- سبب لقضاء الحوائج.

• ١٥- سبب لصلاة الله وملائكته عليه.

• ١٦- سبب زكاة المصلي وطهارة له.

• ١٧- سبب تبشير العبد بالجنة قبل موته.

• ١٨- سبب النجاة من أهوال يوم القيامة.

• ١٩- أنها سبب لتذكير العبد مانسيه.

• ٢٠- سبب رد سلام النبي ﷺ على المصلي والمسلم عليه.

• ٢١- سبب طيب المجلس فلا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.

• ٢٢- سبب نفي الفقر.

• ٢٣- سبب نفي البخل عن العبد.

• ٢٤- سبب نجاته من الدعاء عليه برغم الأنف.

• ٢٥- سبب طريق الجنة،لأنها ترمي بصاحبها على طريق الجنة،وتخطئ بتاركها عن طريقها.

• ٢٦- النجاة من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله ﷺ.

• ٢٧- سبب تمام الكلام في الخطب وغيرها.

• ٢٨- سبب وفور نور العبد على الصراط.

• ٢٩- سبب خروج العبد من الجفاء.

• ٣٠- سبب لإبقاء الله سبحانه وتعالى الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض.

• ٣١- سبب البركة على المصلي وعمله وعمره .

• ٣٢- سبب نيل رحمة الله تعالى.

• ٣٣- سبب دوام محبة المصلي للرسول ﷺ

• ٣٤- سبب دوام محبة الرسول ﷺ للمصلي عليه .

• ٣٥- سبب هداية العبد وحياة قلبه.

• ٣٦- سبب عرض اسم المصلي على النبي ﷺ

• ٣٧- سبب لتثبيت القدم على الصراط.

• ٣٨- سبب أداء بعض حق المصطفى ﷺ.

• ٣٩- أنها متضمنة لذكر الله وشكره تعالى.

• ٤٠- أنها دعاء، وهي سؤاله أن يثني على نبيه وخليله...". 


اهـ بتصرف يسير. 


📙[جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام (٥٢١)]



2021/07/01

يوليو 01, 2021

بعض المقاصد الشرعية في الفرحات العيدية

 بعض المقاصد الشرعية في الفرحات العيدية 
بعض المقاصد الشرعية في الفرحات العيدية

      ️للشيخ الفاضل 
أبي محمد عبد  السلفي الريمي 
   حفظه الله تعالى

الحمد لله وأشهد آن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد آن محمدا عبده ورسوله وصفِيُه من خلقه وخليله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ثم أما بعد 

فيا معاشر المسلمين نحمد الله جل وعلا اولاً على هذِه النعم المتجددة المتتالية المتكاثرة النازلةً الحاصلة فينا قلوبا وأجسادا وموطنا أمنا وأمانا سكينة واوقارً وإطمئنانا فنحمده جل وعلا على هذه النعم وأمثالها ونسأله جل وعلا آن يوزعنا شكرها على الوجه الذي يرضيه عنا .

ثم أقول ثانيا لقد جاءت هذه الجموع إلى هذا المسجد المبارك تاركةً مصلى عيدها الذي فيه تتجلى سنة نبيها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما أتت إلا إعملاً لرخصتها الشرعية ليعلم آن ديننا دين سُهولة ويسر لا مشقة فيه ولا أغلال ولا أثار والمشقة تجلب التيسير ومن تيسر أمره لمشقة نازلة فله أجر العمل إن كان قبل المشقة فله أجر الإتباع والإمتثال عند آن يأخذ بالعزيمة وله أجر إمتثاله إذا أخذ بالرخصة فنبينا ﷺ يقول إن الله يحبُ أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه 

ولذلك أيها المسلمون في هذا المقام العيدي المبارك نتساءل قائلين لماذا شرع العيد وما هي المقاصد الشرعية والدينية التي من أجلها شرعت هذه الفرحة بهذه المعاني التعبدية? الجواب عن هذا التساؤل في مقامنا هذا آن نبينا صلى الله عليه وعلى اله وسلم قد بين ذلك في سنته المطهرة وذلك عند أن قدم المدينة النبوية وجد القوم وهم يلعبون ولهم أيام فيها يلهون ويفرحون ويمرحون فقال ما هذا الذي أنتم تفعلون فقالوا إنهما يومان من أيام الجاهلية نلعب فيهما أي هذان عيدان لأهل الجاهلية فيهما يلعبون وفيهما يفرحون وفيهما لمسرتهم يظهرون فحينها قال نبينا صلى الله عليه وعلى اله وسلم لقد أبدلكم الله بخير منهما لقد أبدلكم الله بيومين خير من هذين اليومين هما عيد الفطر والأضحى أخرجه ابو داوود عن أنس إبن مالك رضي الله عنه 

فدل هذا الحديث على آن من مقاصد شرعية هذه الأعياد الإسلامية وهما الفطر والأضحى آن فيهما مخالفة لأهل الجاهلية وآن هذه بدائل إسلامية شرعية وآن الأمة المحمدية تتميز بخصائصها وتتميز بصفاتها وتتميز بما هي عليه عقيدة ومنهاجا لا تتشبه بأعدائها ولا ترضى آن تحيي شعائر إعدائها فإيام الجاهليين كانت أيامهم فيها ما فيها من طقوسهم وعاداتهم وا مألُفتهِم ومخترعات عقولهم وسخافات موروثاتهم فجاء الدين والإسلام بتأصيل الأصول وتقعيد القواعد التي ليس بها وصول إلا إلى الله عن طريق النبي محمد صلى الله عليه وعلى أله وسلم فما من أمة إلا ولها أعيادها في أعيادها تظهر زينتها وتحيي شعائرها وتفتخر بإمجادها وأمة الإسلام لها عيداها فيهما تظهر شعائرها فيهما تظهر قوتها فيهما تظهر شوكتها فيهما تظهر عزتها فيهما تظهر أواصرها ومتانة بنيانها فيهما يظهر شموخها ورِفعة هذه الأمة إنها أمة عزة وإعتزاز بدين الله عز وجل لا تقتدي بغيرها ولا تتشبه بغيرها من الجاهليين ولا من المشركين ولا من الكافرين ولذلك أخبر نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن أمة الإسلام قد اُبدلت بعيدين ويومين هما خير من أعياد الجاهليين وخير من أعياد المشركين ومن أعياد اليهود والنصارى عيدنا عيد الأضحى عيدنا عيد الفطر هذان العيدان فيهما تظهر المخالفة الواضحة للمشركين وما كانوا عليه للجاهليين وما يدعون إليه فلقد كانت لهم أعيادهم وأسواقهم ومنتدياتهم الثقافية والشعرية والجماهيرية وها هو عيدنا أمة الإسلام عيد خير وبركة وإن عام عيد فرحات شرعية ومسرات دينية 

فمن مقاصد هذا العيد آن يظهر  المسلمون بعزتهم وقوة شوكتهم وبعدتهم وأعدادهم فلقد كان نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يترك مسجده ويخرج ليصلي في مصلى العيد فيذهب إلى مصلى عيده من طريقه ويعود من طريق آخرى لإرغام المشركين ولإرغام المنافقين لترى أمة الشرك وأمة الجهالة والحماقة لترى آن أمة الإسلام لها أعدادها الغفيرة ولها جماهيرها الكثيرة التي تعلن وحدانية رب العالمين التي ما خرجت إلا لأنها إعتزت بكلمة لا إله إلا الله وبكلمة إتباع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولذلك سنة لكل مسلم إن خرج إلى مصلى عيده من طريق وأن يعود إلى بيته من طريق آخرى لتشهد السكان والمساكن والعمار والخلائق أجمع آن هذه الجماهير توجهت إلى مصلى عيدها وأتت من مصلى عيدها ماذا أرادت? أرادت آن تعظم شعائر ربها وشعائر دينها وآن تظهر بعزتها وقوتها وشكيمتها وشوكتها وما هي عليه 

ولذلك معاشر المسلمين من مقاصد مشروعية العيد آن تتكاتف الأكتاف وآن تشتد السواعد وآن يقف المسلم بجانب أخيه المسلم ساقاً إلى ساق وجنباً إلى جنب كتفاً إلى كتف لحماً إلى لحم عظماً إلى عظم في مقام العبودية لله ع

ز وجل لنعلم آن من المقاصد هو توحيد الأمة وتقوية الأواسر والروابط الدينية وآن تنصهر في هذه المقامات قوالب الطائفية وقوالب الحزبية وقوالب العنصرية الجاهلية ولذلك كلنا من أدم وأدم من تراب فإن كان لنا فخرُّ فاصلنا الذي به نفتخر هو الماء والطين الكل أبوهم أدم وأمهم حواء وما إختلاف الا وجه والالسن والألوان والأشكال والأجسام والأحجام إلادليل على آيات الله الباهرة وعلى مخلوقاته الظاهرة 
﴿ وَمِن آياتِهِ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَاختِلافُ أَلسِنَتِكُم وَأَلوانِكُم َ ﴾ [30:22] - الروم  

فهي آيات ليست ميزان إلا للمعتبرين المتعظين الذين ينظرون في سواد الوجوه وبياضها قدرة الله فيما خلق وفيما صنع لا ينظرون نظرة تعالً لأبيض على أسود ولا لأحمر على أبيض ولا لنظرة ترفع بِأس الخلقة فالخلقة وأحدة والأجساد وأحدة وبإختلافها إلا دليل على قدرة القدير العلي الكبير جل وعلا وإلا أصل التفاخر هو بالتقوى

إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ ﴾ [49:13] - الحجرات 
﴿ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ   ﴾ [49:13] - الحجرات
 لماذا? لِتَعارَفوا لا لتفاخروا ولا لتنافروا كما كان الجاهليون يتفاخرون ويتناحرون ويتشاجرون طلبا للمفاخرة وبحثا عن المناصرة 

فمن مقاصد العيد معاشر المسلمين آن نعلم أننا إخوة إخوة عقيدة ودين لا تفرقنا عنصريات ولا طائفيات ولا حزبيات وإنما يجمعنا كتاب الله وتجمعنا سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيرآ على درب السابقين الذين أتى إليهم هذا الدين وكانوا على جاهلية جهلاء فوحد الله قلوبهم وجمع كلمتهم وأعزهم لا بعروبتهم ولا بِأجناسهم وشعوبهم ولكن بدينهم واتباعهم لرسولهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿ وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوا وَاذكُروا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعداءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوانًا  ﴾ [3:103] - آل عمران

صرتم إخوانا بنعمة الله إخوة على ضفاف الشريعة الإسلامية وعلى أعتاب السنة المحمدية إتباعا وانِتهاجا واقتداء أمة الإسلام 

من مقاصد مشروعية العيد آن يتزين المسلمون وآن يظهروا بكامل زينتهم إعلانا إلى آن ديننا دين نظافة ودين طهارة فلا أوساخ لا قلبية ولا جسدية فلي ذلك من تطهر قلبه وتطهرت ثيابه فهذا نقي الثوب والقلب ومن طهر الثياب وقلبه متسخ فلا ينفعه حسن ثيابه مع ردائة قلبه فالمقاصد الشرعية من إظهار الفرحة وتحنو في زينتنا العيدية آن نعلم أننا كما تزينت ظواهرنا ينبغي آن تتزين بواطننا فزينة الباطن مقدمة على زينة الظاهر ودين الإسلام إنه دين ظاهر وباطن. دين مناظر ومخابر فالرجال مخابر في الأصل لا مناظر ولكن إذا أجتمع المنظر مع حسن المخبر فهذا العبد يكون قد وصل إلى الدرجات الرفيعة فالمقصود من لبسنا ومشروع تزيننا في يوم عيدنا آن نظهر بهذا الجمال الذي يدعو إلى جمال الباطن جمال الظاهر داع الى جمال البواطن 

ولذلك معاشر المسلمين أيضا من المقاصد الشرعية آن تظهر الأمة المحمد والأمة الإسلامية أنها ظاهرة في هذا الدين ﴿ هُوَ الَّذي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ ﴾ [9:33] - التوبة

وكفى بالله شهيدا لأمة الإسلام آن دينها ظاهر وآن سنة نبيها ظاهرة وقاهرة وأن ألمت بإفرادها غربة زمان او مكان فإنهم بالعقيدة الصحيحة والإنتهاج والإقتداء السليم لنبيهم صلى الله عليه وعلى اله وسلم 

ظاهرون ولن تقوم الساعة أمة الإسلام لن تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وما دامت الدنيا باقية فلا يزال الحق باق وناطق وإن تحالف الأعداء وأن تجمع أعداء المسلمين لضرب المسلمين وإهانة المسلمين فلا تزال في المسلمين بقية باقية يقول صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي اُمر الله وهم على ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما 

نعم أمة الإسلام ولذلك هذه المظاهر المباركة وهذه الجموع الغفيرة إنها تعلن تعظيمها لشعيرة من شعائر هذا الدين ﴿ وَمَن يُعَظِّم شَعائِرلَ اللَّهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ ﴾ [22:32] - الحج

أيضا علمنا بعض المقاصد الشرعية من مشروعية العيد ومن مشروعية الفرحة العيدية لنعلم أننا منهيون من آن نملأ ظرف العيد ووقته بمعاص أو مخالفات شرعية فالأغاني والموسيقى والطرب والزمر وغيرها من الألات اللهو إنها محرمة عموماً وفي آيام الفرحة العيدية خصوصاً أنت تفرح بفضل الله ورحمة الله فافرح لتعظم شعائر الله ام أنت تأتي تبارز رب العالمين بالمعاصي الله دعانا إلى هذه الفرحة وشرعها لنا فكيف نُقابل دعوة الله بمعصيته جل وعلا أيحق لعاقل آن تراه طرباً مع أصوات الأغاني الموسيقى في أيام عيده إن هذا لا يرتضى منه في غير العيد فكيف يشاقق ربه ويشاقق نبيه بأن يظهر في يوم عيده بمظهر العاصي الاشر البطل المتكبر المتعالي على شرع و

دينه فإن هذا صنف لا يتأتى منه هذا الفعل إلا وقد أتبع هواه وا أغواه شيطانه فتبع شيطانه ولم يتبع رسوله وخالقه ومولاه فيما شرعه له لنعلم معاشر المسلمين ان فرحات الشرعية ينبغي آن يستشعر فيها عظيم المنة الإلهية وما أنعكس الأمر وسخرا الفرحة العيدية للمعاصي فإن هذا إمرئُ فيه جاهلية ماذا كانت عليه أعياد الجاهل كانت تقوم على مخالفات شرعية منها الشركيات ومنها البدعيات ومنها الخرافيات ومنها المعاصي والمنكرات فهل يتأتى لعبد مسلم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان يأتي في يوم العيد آن يبارز رب العالمين بتلك المعصية هذا لا يتأتى لعاقل ابدا فكيف لجميع المسلمين أو لبعضهن 

نعم أمة الإسلام المقاصد الشرعية من الفرحات العيدية ينبغي آن نعلمها وآن نتعلم وآن نتذاكرها في مسجدنا وفي بيوتنا وفي ملتقياتنا وآن يكون حديثنا في أيام التشريق هو عن المقاصد الشرعية تأمرا وتفكرا وتدبرا وتعلما وتعليما فقد يبدو لك من المقاصد الشرعية ما لم أذكره لك الأن

 فقد يتأتى لك آن تتأمل في المقاصد الشرعية من هذه الفرحة العيدية ما يقوي إيمانك ويقوي صلتك بالله عز وجل وبدينك وبنبيك محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم ومما اُختم به مقامي من ذكر بعض الخصائص والمقاصد لمشروعية العيد خصوصا عيد الأضحى آن نتذكر آبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام وقد ضحى  بولده إسماعيل عليه السلام إمتثالا لأمر الله ثم صدى الله إسماعيل بذبح عظيم لما حصل إمتثال من إبراهيم ومن ولده إسماعيل كان الفداء من رب العالمين آن يإبراهيم قد صدق الرؤي
أنت يإبراهيم عملت برؤي وأنت يإسماعيل إمتثالة لأمر أبيك والكل ﴿ فَلَمّا أَسلَما وَتَلَّهُ لِلجَبينِ(103)وَنادَيناهُ أَن يا إِبراهيمُ ﴾ [37:104] - الصافات

فلما أسلما أسلم الولد وأسلم أبوه أسلما أمرهما لله عز وجل  في آن يتقرب إبراهيم بذبح إسماعيل إمتثال لأمر الله عز وجل فلما تحقق الإمتثال إذا بالله عز وجل يخاطب نبيه إبراهيم انه قد صدق الرؤيا وجزاؤه هو جزاء المحسنين وأنه قد فدى الولد إسماعيل بذلك الذبح العظيم فالحنيفية الإبراهيمية نتذكرها في مثل هذا المقام وفي مثل هذا العيد آن نتذكر آبانا إبراهيم وإمتثاله أمر الله وان نتذكر آبانا إسماعيل وإمتثاله امر الله هكذا الأنبياء وهم القدوة والأسوة لاتباعهم ﴿ لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ  ﴾ [33:21] - الأحزاب

إذا أمة الإسلام نراجع تاريخنا وسيرة نبي في أيام عيديه خصوصآ ونتأمل لماذا لم يشرع إلا هذان العيدان 
لما لم يجعل ليوم الهجرة عيداً 
ولما لم يجعل لغزوة بدر الكبرى عيداً 
ولماذا لم تجعل أعياد من قبل اصحابه لقادسيه واليرموك 
ولماذا لم يجعل التابعون اعيادا لحطين وعين جالوت وغيرهن من المعارك الإسلامية الفاصلة التي ظهرت فيها عز الإسلام وأمجاد المسلمين لأنهم علموا آن العيد عبادة وآنه لا يشرع عيده إلا بدليل شرعي وما لم يقم على دليل فليس من ديننا فليس من ديننا هذان عيدان ليس لهما ثالث سوى يوم الجمعة وإلا فلا عيد لأمة الإسلام تتقرب به إلى الله إلا الفطر والأضحى ومن أتى بغيرهما فبغير نبيه قد أقتدى ولم يعمل بما في كتاب المولى جل وعلا

إذا أيها المسلمون عودوا من مسجدكم ومن صلاة عيدكم وأنتم تحملون الفرحات والمسرات وأنتم عائدون إلى أهاليكم متسامحون حلماء حكماء تعفون تصفحون من كان مختصما مع قريب فليسامح في هذا اليوم وليصافح ومن كان مختصما مع زوجه فليفتح صفحة جديدة ومن كان مختصما مع جار فليحسن إلى جاره ومن كان له علاقات سيئة بالأخرين فهو مدعو في يوم عيده خصوصا ان يجعل قلبه قلبا سعيدا بيوم العيد لا كئيبا بما فيه من الأصال ومن الغل والحقد والكراهية

 إذا من السعيد في يوم العيد هو الذي سعد بطاعة الله هو الذي سعد بصفاء قلبه ونقاء فؤاده فمن كان عاص لله فلسع عنده ومن كان قلبه مليئا بالأمراض من حسد وحقد وغل وكراهية للدين والمتدينين فهذا ليس سعيدا في يوم عيده وآن أظهر الشهادة فقد أظهرها أعداؤنا من اليهود والنصارى في أعيادهم ولاكنا اعيادتهم كاذبه

 إنها سعادات كاذبة أخطأوا طريق السعادة بافعالهم تلك ولا سعادة إلا باتباع كتاب الله والإقتداء بنبينا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم 

أمة الإسلام هنيئا لمن وفقه الله إلى آن
 يأتي لاداء هذه العبادة وأظهارها للفرحة وتعظيم هذه الشعيرة خلافا للنائمين خلافا للكسالى والمتساهلين خلافا لمن قدموا لذائذ النوم على تعظيم الشعيرة وإظهار الفرحة اي عيد لدى النائمين عن صلاةالفجر وصلاة العيد اي سعادة في قلوب هؤلاء اي سعادة في البيوت المليئة بالمعاصي والمخالفات الشرعية اي سعادة لأمة وهي ذليلة مهينة بمعاصيها لا بطاعتها فالطاعة عز والمعاصي ذل 

أمة الإسلام هذا عيد اضحى مبارك والرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا اهل الإسلام أيام أكل وشرب وذكر لله هذه يوم عرفة ويوم النحر الذي نحن فيه اليوم ويوم النحر وايام التشريق وهي ثلاث أيام بعد يومنا هذا يوم

العيد كلها تعتبر أيام عيد ولكن غرة جبينها هو يوم نحرنا يومنا هذا يوم أضاحي هذه الأيام الخمسة إنها أعيادنا يا أهل الإسلام أعيادنا يا أهل الإسلام فماذا ينبغي ان يفعل فيها ما سمعتم أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل اي وسعوا على أنفسكم وعلى اولادكم وذويكم باللحوم والشحوم وأنواع الأطعمة والأشربة المباحة من غير إشراف ومن غير تبذير ﴿ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ ﴾ [7:31] - الأعراف

وأيضا عند ان تأكلوا وتشربوا لا تغفلوا عن ذكر الله أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل

أسأل الله بمنه وكرمه وجوده وإحسانه وفضله وامتنانه آن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وآن يجنبنا ما يسخطه ويأبى ونسأله كما جمعنا في هذا المسجد المبارك يجمعنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله 

اللهم انا نسألك الا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور
اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين 
اللهم أشفي مرضانا ومرضى المسلمين 
اللهم أجمع كلمة المسلمين على الحق يا رب العالمين
اللهم عليك باعدائك واعدائنا اعداء الدين 
اللهم اكفنا شرهم 
اللهم اكفنا شرهم بما شئت وكيف شئت يا عزيز يا حكيم ونسألك اللهم تؤمن بلادنا وسائر بلدان المسلمين وان تحقن دمائنا ودماء المسلمين وان تبلغنا بيتك الحرام حجاجا ومعتمرين وان تبلغنا المسجد الاقصى فاتحين وزائرين يا رب العالمين ويا أحكم الحاكمين ولا حول ولا قوة إلا بك فأنت المستعان

❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄
•••━════ ❁✿❁ ═══━•••

2019/04/14

أبريل 14, 2019

تحويل القبلة (دروس و عبر)


تحـويل القبـلة
دروس وعبر

إن لحادثة تحويل القبلة أبعادًا كثيرة؛ منها: السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني البحت، ومنها التاريخي؛ فبعدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبُعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث النبوي لإبراهيم عليه السلام، وبُعدها العسكري أنها مهدت لفتح مكة، وإنهاء الوضع الوثني في المسجد الحرام؛ حيث أصبح مركز التوحيد بعد أن كان مركزًا لعبادة الأصنام، وبُعده الديني أنها ربطت القلب بالحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها، والعبادة في الإسلام عن العبادة في بقية الأديان.



دروس وعبر من تحويل القبلة:

1- محنة وابتلاء:

وكان لله عز وجل في جعل القبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلها إلى الكعبة حكم عظيمة ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين.



فأما المسلمون، فقالوا: سمعنا وأطعنا، وقالوا: آمنا به كل من عند ربنا، وهم الذين هدى الله ولم تكن كبيرة عليهم، وأما المشركون، فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا أنه الحق، وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، ولو كان نبيًّا، لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء، وأما المنافقون، فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه إن كانت الأولى حقًّا، فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق، فقد كان على الباطل، وكثُرت أقاويل السفهاء من الناس، وكانت كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، وكانت محنة من الله، امتحن بها عباده؛ ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه.



ولقد ابتلي المسلمون الأوائل بهذا الحدث أيَّما ابتلاء، فثبتوا - رضي الله عنهم - ما ضرتهم حرب اليهود الإعلامية، ليضرب الصحابة - رضوان الله عليهم - القدوة والأسوة في مواجهة الابتلاء، ولقد علمونا - رضي الله عنهم - الصبر على ألوان ومجالات الابتلاء، بدايةً بابتلاء السجن والحصار والتعذيب في رمضاء مكة، وحتى الصبر على الترسانة الإعلامية اليهودية.



2- تحويل القبلة دلالة على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم:

اخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ من إثارة الشكوك والتساؤلات قبل وقوع الأمر، ولهذا دلالته، فهو يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو أمر غيبي، فأخبر به قبل وقوعه، ثم وقع، فدل ذلك على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول يخبره الوحي بما سبق، وهو يدل أيضًا على علاج المشكلات قبل وقوعها؛ حتى يستعد المسلمون ويهيؤوا أنفسهم لهذه المشاكل للتغلب عليها والرد عليها، ودفعها، فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد، والجواب العتيد لشغب الخصم الألد.



3- ضرورة تميز المسلمين عن غيرهم.



4- لم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه؛ كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه، فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد؛ كما أنه بدوره ينشئ شعورًا بالامتياز والتفرد.



5- ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم، التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء، ولم يكن هذا تعصبًا ولا تمسكًا بمجرد شكليات، وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات، كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة، وهذه البواعث هي التي تفرق قومًا عن قوم، وعقلية عن عقلية، وتصورًا عن تصور، وضميرًا عن ضمير، وخلقًا عن خلق، واتجاهًا في الحياة كلها عن اتجاه.



كما روى "خالفوا المجوس"، وهو نهي عن التشبه في مظهر أو لباس، نهي عن التشبه في حركة، أو سلوك، ونهي عن التشبه في قول أو أدب، ثم هو نهي التلقي عن غير الله منهجه الذي جاءت هذه الأمة لتحقيقه في الأرض.



الأمة المسلمة اليوم في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة، والتميز بتصور خاص للوجود والحياة لا يتلبس بتصورات الجاهلية السائدة، والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وهذا التصور، والتميز براية خاصة تحمل اسم الله وحده، فتعرف بأنها الأمة الوسط التي أخرجها الله للناس؛ لتحمل أمانة العقيدة وتراثها.



إن على الحركة الإسلامية أن تؤكد هذا التميز وهذه المفاصلة، وتربي شباب الدعوة على هذا الوضوح، وهذا الاستقلال عن الآخرين.



لقد تمت المفاصلة بين المسلمين واليهود، وأصبح للمسلمين قبلتهم الخاصة بهم نحو المسجد الحرام، إن الأمم التي تُريد أن تنهض، لا بدَّ أن يكون التمايز مكوِّنًا أساسيًّا من مكونات مشروعها الحضاري النهضوي.



6- الأمة الوسط:

يقول ابن كثير يقول الله تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم؛ لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداءَ الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، فهي أمة وسط في التصور والاعتقاد، وفي التفكير والشعور في التنظيم والتنسيق، والارتباطات والعلاقات، وفي المكان في سرة الأرض وأوسط بقاعها.



أمة وسط في التصور والاعتقاد، لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي، إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد، أو جسد تتلبس به روح، وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد، وتعمل لترقية الحياة ورفعها في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها، وتطلق كل نشاط في عالم الأشواق وعالم النوازع، بلا تفريط ولا إفراط، في قصد وتناسق واعتدال.



أمة وسط في التفكير والشعور، لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة، ولا تتبع كذلك كل ناعق، وتقلد تقليد القردة المضحك، إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول، ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجريب، وشعارها الدائم: الحقيقة ضالة المؤمن أنَّى وجدها أخذها في تثبُّت ويقين.



أمة وسط في التنظيم والتنسيق، لا تدع الحياة كلها للمشاعر، والضمائر، ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب، إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب، وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب، وتزاوج بين هذه وتلك، فلا تكل الناس إلى سوط السلطان، ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان، ولكن مزاج من هذا وذاك.



أمة وسط في الارتباطات والعلاقات لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه كذلك فردًا أثرًا جشعًا، لا همَّ له إلا ذاته، إنما تطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء، وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه، ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو، ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة، وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادمًا للجماعة، والجماعة كافلة للفرد في كافلة للفرد في تناسق واتساق.



أمة وسط في المكان في سرة الأرض، وفي أوسط بقاعها، وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب، وجنوب وشمال، وما تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعا، وتشهد على الناس جميعًا، وتعطي ما عندها لأهل الأرض قاطبة، وعن طريقها تعبر ثمار الطبيعة وثمار الروح والفكر من هنا إلى هناك، وتتحكم في هذه الحركة ماديها ومعنويها على السواء.



أمة وسط في الزمان تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها، وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها، وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها، وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى، وتزاوج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات، ورصيدها العقلي المستمر في النماء، وتسير بها على الصراط السوي بين هذا وذاك.



وما أخر هذه الامة إلا اتخاذها مناهج وصبغات بديلة عن منهج الله، ورضيت لنفسها بمقام التابع لغيرها.



وحري بالمسلمين أن يعودوا إلى وسطيتهم التي شرفهم الله بها من أول يوم.



حري بمن استوردوا التشريعات والقوانين الوضعية العفنة أن يعودوا إلى وسطية الإسلام، وحَرِي بمن كفَّروا المسلمين، وفسَّقوا المصلحين أن ينهلوا من وسطية الإسلام.



7- التربية للصف المسلم:

فقد كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ويعدونه عنوان مجدهم القومي، فأراد الإسلام استخلاص القلوب لله وتجريدها من كل نعرة وكل عصبية غير الإسلام؛ كالأرض، والتاريخ، والعنصرية، فكما أسلم المسلمون وجههم إليها، وقد كان اليهود بعد الهجرة يتخذون هذا الوضع حجة لهم، فصدر الأمر الإلهي بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ولكن ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى هي حقيقة الإسلام، حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم عليه السلام وإسماعيل.



امَّا سبب الموقِف، وعلَّة التحوُّل، فهو تجرُّد القلوب، واصْطِفاء النفوس، واجتباء الأرْواح، واستقلال التوجُّهات.



يُبيِّن الله الناسي من الذاكِر، والجاحِد من الشاكر، والمؤمِن من الكافر، والمُصلِح من المفسِد، والكاذِب مِن الصادق، والمتردِّد الخوار مِن الثابت المغوار؛ ا راد الله أن يُجرِّد القلوب مِن العوالق إلاَّ لله، وأن يُصفِّيَها من الجواذبِ إلاَّ لدِين الله.



8- صراع عداء لا جهل:

قال تعالى في معرض حديث الآيات عن القبلة ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ [البقرة: 145].



كثير من طيبي القلوب يظنون أن الذي يصد اليهود والنصارى عن الإسلام، أنهم لا يعرفونه، أو لأنه لم يقدم اليهم في صورة متقنة، وهذا ربما ينطبق على صغارهم، لكن كبارهم لا يريدون الإسلام؛ لأنهم يعرفونه، فهم يخشونه على مصالحهم وعلى سلطانهم، وهم دائمًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ [البقرة: 145].



إنهم لن يقتنعوا بأي دليل؛ لأن الذي ينقصهم ليس هو الدليل، إنما هو الإخلاص والتجرد من الهوى والاستعداد للتسليم بالحق إذا استبانوا طريقه.



﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].



وهنا ندرك أصالة العدوان اليهود للإسلام والمسلمين، فقد شنوا حربًا إعلامية ضارية في أعقاب حدث تحويل القبلة، ولقد فُتن ضعاف الإيمان كما فُتن إخوانهم في حادث الإسراء والمعراج، وإن المتأمل لآيات تحويل القبلة - وهي ترد شبهات اليهود - يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنها اليهود.



وهكذا خاب وخسر من جرى يلهث في عصرنا خلف اليهود، وخاب وخسر من تمسح باليهود في تطبيع، أو ظن أن الحداقة تتصدق بكتاكيت!



9- سرعة الاستجابة والثقة في القيادة:

كم كان هؤلاء الصحابة - رضي الله عنه - في قمة التشريف لهذه الدعوة؛ عندما جاءهم خبر تحويل القبلة، انظر في صحيح البخاري عن البراء: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا - أو سبعة عشر شهرًا - وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنه صلى أول صلاة صلاها العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال أشهد بالله، لقد صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت"، لقد تحولوا وهو في هيئة الركوع من قبلة بيت المقدس إلى اتجاه البيت الحرام، لقد علمونا - رضي الله عنهم - كيف نستقبل أوامر وتعاليم الإسلام.



بهذه الثقة في النهج وبهذه الثقة في القائد قادوا وسادوا وساسوا الدنيا.



يا قوم، فما بالنا نحينا أوامر الإسلام وتعاليم القرآن، وشككنا في أحكام الشريعة، وتنسمنا فساء الغرب، ونقبنا في مزابل العولمة!



إلى متى هذه الجفوة والفجوة بين المسلمين ومنهجهم؟ وإلى متى نستجيب إلى كل أشباه الحلول، ونرفض الحل الإسلامي؟ وإلى متى نستجيب إلى كل فكر إلى الفكر الإسلامي؟



فلنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة، نتحول بكل قوة وثقة ورشاقة إلى منهج الإسلام بكلياته وجزئياته، كما تحول الغر الميامين وهم ركوع.



10- تحويل القبلة توحيد للأمة:

من كل اتجاه، في أنحاء الأرض جميعًا، قبلة واحدة تجمع هذه الأمة وتوحد بينها على اختلاف مواطنها، واختلاف مواقعها من هذه القبلة، واختلاف أجناسها وألسنتها وألوانها، قبلة واحدة، تتجه إليها الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، فتحس أنها جسم واحد، وكيان واحد، تتجه إلى هدف واحد، وتسعى لتحقيق منهج واحد، منهج ينبثق من كونها جميعًا تعبد إلهًا واحدًا، وتؤمن برسول واحد، وتتجه إلى قبلة واحدة.



وهكذا وحد الله هذه الأمة، وحدها في إلهها ورسولها ودينها وقبلتها، وحدها على اختلاف المواطن والأجناس والألوان واللغات، ولم يجعل وحدتها تقوم على قاعدة من هذه القواعد كلها؛ ولكن تقوم على عقيدتها وقبلتها، ولو تفرقت في مواطنها وأجناسها وألوانها ولغاتها.



إنها الوحدة التي تليق ببني الإنسان، فالإنسان يجتمع على عقيدة القلب، وقبلة العبادة، إذا تجمع الحيوان على المرعى والكلأ والسياج والحظيرة!


 مقالات ذات صلة
تحويل القبلة تأصيل للشخصية الإسلامية
معالم التمايز في تحويل القبلة
تحويل القبلة تميز وتجرد، تأدب واستقلال
من آثار تحويل القبلة: تجنب ثالوث العداوة وبيان وسطية هذه الأمة
لكل مجتهد نصيب
تحويل القبلة.. إظهار الأوراق وكشف الأبواق
العبرة من تحويل القبلة: التسليم والانقياد (خطبة)
تحويل القبلة دروس وعبر (خطبة)
تحويل القبلة حدث هام في تاريخ الإسلام والمسلمين
وحد القبلة (قصيدة)
من دروس تحويل القبلة: بيان مواقف السفهاء(مقالة - آفاق الشريعة)
تحويل القبلة: نظرات بين الواقع والتاريخ(مقالة - آفاق الشريعة)
تحويل القبلة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
خطبة عن تحويل القبلة(مقالة - ملفات خاصة)
تحويل القبلة وتميز الأمة وبيان خيريتها(مقالة - آفاق الشريعة)
الحكمة من تحويل القبلة(مقالة - آفاق الشريعة)
فائدة تحويل القبلة(محاضرة - موقع مثنى الزيدي)
تحويل القبلة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
قبلة وقبلة (قصة)(مقالة - حضارة الكلمة)

2019/03/30

مارس 30, 2019

الترغيب في صيام شهر شعبان

❃•━━━━❃﷽❃━━━━•❃

 #الترغيب_في_صيام_شعبان
 #والتحذير_من_الإحتفال_بذكرى_المعراج
“*

       الشيخ /_
#عبدالقادر_بن_محمد_الجنيد.
           حفظه الله

_*📝http://www.alakhdr.com/?p=1046 .*_

>-الخطبة الأولــــــــــــــى-<

الحمد لله ربِّ العالمين،
*وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له* الملك الحقُّ المُبين،
*وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله* سيِّدُ المرسلين، وخِيْرَةُ الله مِن خلقه وخاتَمُ النَّبيين، صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته البَررة المُنْتَخَبين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد،      عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ــ عزَّوجلَّ ــ فاتقوا الله في السِّر والعلن، وراقبوه مُراقبة أصحاب القلوب الخاشية، وإياكم والأمنَ مِن مَكْرِه، والقُنوطَ مِن بِرِّه، وتعرَّضوا لأسباب رحمته ومغفرته، واعملوا كل سبب يُوصلكم إلى رضوانه وفضله العظيم، ويُقرِّبُكم مِن جنَّته، ويُباعدكم عن ناره، فإنَّ رحمة الله قريب مِن المحسنين، وقد قال سبحانه آمِرًا لكم بتقوا، ومُذَكِّرًا بمحاسبة النَّفْس، ومُحذَّرًا مِن نسيانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.
واعلموا أنَّ مِن أعظم ما تقرَّب به المتقرِّبون إلى الله ربِّهم، وأوصلَهم المنازل العالية، وهذّبَ نفوسَهم وأخلاقَهم، ورقّقَ قلوبًهم وأصلحها، وأعفَّ عن الحرام فروجَهم وألسنَتهم، عبادةَ الصيام، تلك العبادة التى صحَّ عن النبيﷺ أنَّه قال في تعظيم شأنها: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي )).
وثبت عن أبي أمامة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال لِرسول اللهﷺ: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ )).
عباد الله:
إنَّكم على مَقرُبة مِن شهر شعبان،
وما أدراكم ما شهر شعبان؟
إنَّه شهر تُرفع فيه أعمال العباد إلى ربِّهم ــ جلَّ وعزَّ ــ ، فهنيئًا لِمن رُفعَت له فيه أعمال صالحة، فقد ثبت عن أسامة بن زيد ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ، إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فّقَالَ ﷺ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ، إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ )).
وصحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها سُئلَت عن صيام رسول اللهﷺ فقالت: (( وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )).
فبادروا ــ سدَّدكم الله وقوَّاكم ــ إلى الاقتداء بنبيكم ﷺ بالصيام في شهر شعبان، والإكثار مِنه، حتى إذا رُفعَت أعمالكم إلى ربكم ــ جلَّ وعلا ــ رُفعَت وأنتم صائمون.
عباد الله:

لقد تكاسل وتشاغل أكثرنا عن صيام التطوع، مع عِظَم وجلالة ما ورَد في شأنه مِن الأحاديث الكثيرة المُبيِّنة لأنواعه، والمُرغِّبة فيه، والمُعدِّدة لِثماره، وما فيه مِن الحسنات الكثيرات، والأجور العاليات، والمكاسب الطيبة التي تنفع العبد في دنياه وأُخْراه.
ولمَّا كانت النُّفوس تَتُوق وتَتشوَّق لِما له فضائل، وتتزايد أُجُوره، وتعلو منزلة أهله،
فدونكم ــ سلَّمكم الله ــ جُملة مِن فضائل صيام التطوع، والتنفل بالصيام.
- فَمِن هذه الفضائل: أنَّه مِن أسباب تكفير الذنوب والخطايا، لِمَا صحَّ عن النبيﷺ أنَّه قال: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ )).
- ومِن هذه الفضائل: أنَّه مِن أسباب البُعد والعِفَّة عن الحرام، لِمَا صحَّ عن النبيﷺ أنَّه قال: (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).
- ومِن هذه الفضائل: أنَّه يُسَدُّ بِ

ه يوم القيامة النَّقصُ والخلَلُ الذي وقع مِن صاحبه في صيام الفريضة، إذ صحَّ عن النبيﷺ إنَّه قال: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّوَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )).
- ومِن هذه الفضائل: أنَّه مِن أسباب نَيل العبد محبَّة ربِّه سبحانه له، ودَفْعِه ودِفَاعِه عنه، وتوفِيقه وتسديده، وإجابة دعوته، إذ صحَّ عن النبيﷺ أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

وسبحان ربك ربِّ العزة عما يَصفون، وسلامٌ على المرسلين،
والحمد لله رب العالمين.

>-الخطبة الثانيــــــــــــــة-<

الحمد لله المُنعِم على مَن شاء مِن خلقه بمتابعة سيَّد ولد آدم أجمعين، وصحابته المُكرَمِين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على النِّبي محمد المصطفى الأمين، وعلى آله وأصحابه والمتَّبِعين لهم بإحسان في كل ناحية وحين.
أمَّا بعد،     عباد الله:

فإنَّ مِن أعظم نِعم الله ومِنَنه على كثير مِن عباده توفيقَهم للإقتداء بنبيهم ﷺ في القول والفِعل والتَّرْك، وسَيْرِهِم على ما كان عليه سلفُهم الصالح مِن أهل القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ ،
ولاريب عند كلِّ ذِي دِينٍ وإيمان أنَّ مَن وافقهم في القول أو التَّرْك أو الفِعل كان مُصيبًا، وعلى الحق والهُدى، ومَن خالفهم كان على انحراف، وفي وضلال.
وقريبًا سندخل ــ بإذن ربِّنا سبحانه ــ في6 ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجب، وقد جرَت عادة جُموع مِن المسلمين في بِقاع شتَّى على الاحتفال فيها بِذِكْرى #الإسراء والمعراج#،
حيث يعتقدون أنَّ حادثة الإسراء والمعراج قد حصلت في هذه الليلة.
وهذا الاحتفال يَكتَنِفُه أمران:
- الأمر الأول: أنَّه غير جائز، لأنَّه لم يَرد في نصوص القرآن والسُّنَّة النَّبوية، ولا فَعله رسول اللهﷺ، ولا أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ ، ولا أحدٌ مِن أئمة المسلمين في القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، ولا أئمة المذاهب الأربعة المشهورة،
والخيرُ كلُّه والأجْرُ والسلامة في مُتابعتهم.
ولعلَّ مَن ابتدأ هذا الاحتفال وأَتَى بِه هُمُ الشِّيعة الرافضة، فبئسَ القدوة، وبئسَ التَّشَّبُه.
والعلماء العارِفون بالشريعة يَحكمُون على ما كان هذا حاله مِن الاحتفالات بأنَّه بِدعة، والبِدعة مِن أشدِّ المحرَّمات، وأغلظِها جُرمًا، فقد صحَّ عن النبيﷺ أنَّه كان يُحذِّر مِنها في خُطبِه فيقول: (( وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ )).
وثبت عن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, أَلَا وَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ )).
ولاريب عند الجميع بأنَّ ما وُصِف بأنَّه شرٌّ، وأنَّه ضلالة، وتُوعِّد عليه بالنار، يَدخل في المحرَّمات والسيئات، والمنكرات والخطيئات، والآثام والأوزار.
- الأمر الثاني: أنَّ ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجبٍ لا دليل على أنَّها الليلةُ التي حصل فيها الإسراء والمعراج، بل قد اختلف العلماء والمؤرِّخون في تاريخ وقت الإسراء والمعراج على عشَرة أقوال أو أكثر،
ذكر ذلك الحافظ ابن حجرٍ العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري”.
بل واختلفوا في سَنة وقوعها، وفي شهر حصولها، وفي يوم حدوثها، ولا يصحُّ في تحديد وقتها حديث ولا أثر، لا عن النبيﷺ، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ.
وقد قال الإمام تيمية ــ رحمه الله ــ:

لم يَقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النُّقول في ذلك مُنقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به.اهـ.
وقال العلامة ابن الأمير الصنعاني ــ رحمه الله ــ:
هي ليلةٌ معينة، لم يِرِد بتعيينها سُنَّة صحيحة.اهـ.
وقال العلامة ابن باز ــ رحمه الله ــ:
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجبٍ ولا غيره، وكل ما ورَد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبيﷺ عند أهل العلم بالحديث.اهـ.
بل إنَّ مِن أضعف الأقوال هو قول مَن قال:حصل الإسراء والمعراج في شهر رجب في ليلة السابع والعشرين مِنه.
إذ قال الم

ُحدِّث والفقيه أبوالخطَّاب الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ:
وذَكر بعض القُصَّاص أنَّ الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.اهـ.
وقال أيضًا: وقيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجالٌ معروفون بالكذب. اهـ.
وقال الفقيه الشافعي ابن العطَّار الدِّمشقي ــ رحمه الله ــ:وقد ذكر بعضهم أنَّ المعراج والإسراء كان فيه ــ يعني: في رجب ــ، ولم يَثبت ذلك.اهـ.
وقال الحافظ ابن رجبٍ الحنبلي البغدادي ــ رحمه الله ــ:
ورُوي بإسنادٍ لا يصحُّ عن القاسم بن محمد أنَّ الإسراء بالنبيﷺ كان في سابع وعشرين مِن رجب،
وأنكر ذلك إبراهيم الحربي، وغيره.اهـ.
وقال العلامة العثيمين ــ رحمه الله ــ:
يظن بعض الناس أنَّ الإسراء والمعراج كان في رجب، في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصحّ فيه أثر عن السَّلف أبدًا، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشَرة أقوال.اهـ.

هذا وأسأل الله أنْ يُجنِّبني وإياكم الشِّرك والبدع، وأنْ يرزقنا لزوم التوحيد والسُّنَّة والاستقامة عليهما إلى الممات،
اللهم طهِّر أقوالنا وأسماعنا وجوارحنا عن كل ما يغضبك، وآمِنَّا في مراكبنا ومساكننا ومساجدنا وأعمالنا وأسفارنا، وأصلح ووفق ولاتنا وجندنا وأهلينا، اللهم ارفع الضر عن المتضررين مِن المسلمين، وارفع عنهم القتل والاقتتال، وأزل ما بهم مِن خوف وجوع، وقهم الأمراض والأوبئة، وأعذهم مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن،
إنك سميع الدعاء.

         وأقول قولي هذا،
      وأستغفر الله لي ولكم.

2019/03/17

مارس 17, 2019

الدُّرَر في التحذيرِ مِمَّا أحدثَ الناسُ في رَجَب مُضَر



الدُّرَر في التحذيرِ مِمَّا أحدثَ الناسُ في رَجَب مُضَر


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد شاع بسبب الجهل  عند كثير من المسلمين خاصةً النساءَ اعتقادُ فضائلَ لبعض الأشياء التي لم يثبت الدليلُ بفضيلتها ، ومن هذه الأشياء التي يعتقد الناس بفضيلتها على غيرها شهرُ من الأشهرِ الحُرُم ألا وهو شهر رجبٍ ؛ فقد جعلَ الناسُ له فضائلَ لا تثبت أبدا ، وفي هذا البيانِ المختصرِ نبين إن شاء الله تعالى ذلك ، ونجعله على ثلاث نقاط :

*الأولى : ذكرُ نبذةٍ يسيرةٍ عن شهرِ رجبٍ .*

*الثانية : ذكرُ كلامِ بعضِ أهل العلم في التحذيرِ مما أشاعه الناس فيه.*

*الثالثة : ذكر أهم ما يعتقده الناس فيه من الفضائل المزعومة والبدع المذمومة .*

فنقول مستعينين بالله :

*النقطة الأولى* : 

شهرُ رجبٍ شهرٌ من الأشهرِ الأربعةِ الحُرُمِ يقول الله تعالى *:(( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم .....)).*

وقد ورد في السنة بيانُ المقصودِ بهذه الآيةِ فقد جاء من حديث *أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السمواتِ والأرضَ السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حُرُمٌ ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمُحَرَّمُ ورجبُ مضر الذي بين جُمادى وشعبان... )) متفق عليه.*

*فائدة : قوله :(( رجب مضر )) أضاف رجبا إلى قبيلة مضر لأنها لم تكن تؤخره أو تقدمه كما تفعل بقية القبائل العربية وهو الذي يُعرف بـ( النسيء ) فيسمون الأشهر بغير اسمها ليحلوا القتال في الأشهر الحرم .*

شهر رجب لا مزيةَ له على غيره من الأشهر *عدا أنه من الأشهر الحرم فحسب* ، ولم يثبت فيه نوع فضيلة يمتاز بها عن غيره من الأشهر .

*النقطة الثانية :

 كلامُ بعضِ الأئمةِ والمُحَدِّثين العارفين بهذا الشأن :*

✍- عن خرشةَ بن الحرِّ قال *: ((رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية)) صححه الألباني في الإرواء.*

*✍- قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ :(( وأما صومُ رجبٍ بخصوصه فأحاديثُه كلُّها ضعيفةٌ ، بل موضوعةٌ لا يعتمد أهل العلم على شيء منها ، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل ، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات.*

*✍- قال ابن القيم رحمه الله تعالى :  ((كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى)).*

*✍- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (( لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة)).*

*✍-قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله مجيبا عن سؤال : (( صيام اليوم السابع والعشرين من رجبٍ وقيام ليلته وتخصيص ذلك بدعة ، وكل بدعة ضلالة )).*

*✍- قالت اللجنة الدائمة للإفتاء مجيبةً عن سؤالٍ لسائلةٍ نذرت صياما وذبيحةً في رجب :(( نذرُ الذبح في شهر رجب ونذرُ إفراده أو إفراد شيء من أيامه بالصوم أمر مكروه ؛ لأن ذلك من أمور الجاهلية ، وعليه يجب على السائلة أن تكفر كفارة يمين عن الذبيحة وعن صيام الأيام )).*

وغير هؤلاء العلماء الكثيرُ أيضا.

*النقطة الثالثة :

 ذكر بعض ما يعتقده الناس فيه من الاعتقادات الباطلة :*

هناك بدعٌ كثيرةٌ يفعلها الناسُ في شهر رجب ، واعتقاداتٌ باطلةٌ وهاك بعضَها :

*١- صلاةُ الرغائب التي تقام في أول رجب ، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :(( وهي بدعةٌ باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرِهم ، والحديثُ المرويُّ فيها كذبٌ بإجماع أهل المعرفة بالحديث )).*

*٢- زعمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه ، وبعث في ليلة السابع والعشرين منه .*

*٣- زعمهم أن ليلة الإسراء والمعراج كانت ليلة السابع والعشرين من رجب ، واحتفالُهم بها ، وهذا كله باطلٌ لا يصح.*

*٤- التصدقُ عن روح الموتى فيه ، وهذا كذلك من البدع .*

*٥- تخصيصُ زيارة المقابر في رجب ، وهذه أيضا من البدع المحدثة التي لم يدل عليها دليلٌ.*

*٦- تخصيصُ النذرِ في شهر رجب بصومٍ أو نحوِه ، وهذا أمر محدثٌ كثيرا ما تفعله النساء والله المستعان.*

*٧- التهنئةُ بدخول شهرِ رجبٍ وأنَّ من بَشَّرَ به حرمه اللهُ على النار ، وهذا كلُّه كذبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.*

💢ختاما : يا حبذا أن يجعل الخطباءُ هذه الجمعةَ عن شهر رجب ، حتى يبيِّنوا للناسِ خطورةَ هذا الأمر .

 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

✍❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄

2018/12/23

ديسمبر 23, 2018

خطبة جمعة (الحقوق الزوجية وأسباب الطلاق) الشيخ الحذيفي


خطبة جمعة (الحقوق الزوجية وأسباب الطلاق) الشيخ الحذيفي
                    خطبة الجمعة3-5-1437
من المسجد النبوي الشريف

فضيلة الشيخ/_
 #علي_بن_عبدالرحمن_الحذيفي

صوتي |
https://archive.org/download/salshuraym_482/h3-5-1437.mp3

مرئي |
https://www.youtube.com/watch?v=DGgIfCMzymM

—-

     💢بعنوان💢

#الحقوق_الزوجية_وأسباب_الطلاق



📋الخطبة الأولى📋👇

الحمد لله، الحمد لله الذي خلقَ الأزواجَ كلَّها مما تُنبِتُ الأرضُ ومن أنفُسِهم ومما لا يعلَمون، أمرَ - عزَّ وجلَّ - بالإصلاح والصلاح، ونهَى عن الفسادِ بقوله: وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: 142]، وشرعَ - تبارك وتعالى - التشريعَ للمصالِح والمنافِع، ودرءِ المفاسِد والمضارِّ في حقِّ المُكلَّفين، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغنيُّ عن العالمين، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الوعدِ الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله في السرِّ والعلانية؛ فما فازَ أحدٌ في حياته وبعد مماتِه إلا بالتقوَى، وما خابَ أحدٌ وخسِر إلا باتباعِ الهوَى.
أيها الناس:
اذكرُوا مبدأَ خلقِكم وكثرةَ رِجالِكم ونسائِكم من نفسٍ واحدة، خلقَ الله منها زوجَها، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء: 1]، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف: 189].
ثم جرَت سنَّةُ الله تعالى وشريعتُه أن يقترِنَ الرجلُ بالمرأة بعقد النِّكاح الشرعيِّ، ليبنِيَا بيتَ الزوجيَّةِ، تلبيةً واستِجابةً لمطالِبِ الفِطرة والغريزَة البشريَّة، من طريقِ النِّكاح لا من طريقِ السِّفاح.
فطريقُ الزواجِ هو العفافُ، والبركةُ، والنماءُ، والطُّهرُ، والرِّزقُ، وصحَّةُ القلوب، وامتِدادُ العُمر بالذريَّة الصالِحة. وطريقُ السِّفاح والزِّنا هو الخُبثُ، وأمراضُ القلوب، وفسادُ الرَّجُل والمرأة، وذلُّ المعصِية، وآفاتُ الحياة، والذَّهابُ ببركتِها، والخلَلُ في الأجيال، والعذابُ في الآخرة.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رأى ليلةَ الإسراء والمعراجِ من العجائِب، «ثم أتَى على قومٍ تُرضَخُ رُؤُوسُهم بالصَّخر، كلَّما رُضِخَت عادَت كما كانت، ولا يُفتَّرُ عنهم من ذلك شيءٌ، فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقَلُ رُؤوسُهم عن الصلاةِ المكتُوبة. ثم أتَى على قومٍ على أقبالِهم رِقاع، وعلى أدبارِهم رِقاع، يسرَحون كما تسرَحُ الإبلُ والنَّعَم، ويأكلُون الضَّريع والزَّقُّوم ورَدغَ جهنَّم وحِجارتَها. قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يُؤدُّون صدقاتِ أموالِهم، وما ظلمَهم الله شيئًا. ثم أتَى على قومٍ بين أيدِيهم لحمٌ نضِيجٌ في قِدر، ولحمٌ آخرُ نَيِّئ في قِدرٍ خبيثٍ، فجعلَوا يأكلُون من النيِّئ ويدَعُون النَّضيجَ الطيِّبَ. فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هذا الرجلُ من أمَّتك تكونُ عنده المرأةُ الحلالُ الطيِّبُ، فيأتي امرأةً خبيثةً فيبيتُ عندها حتى تُصبِح، والمرأةُ تقوم من عند زوجِها حلالاً طيبًا، فتأتي رجلاً خبيثًا فتبتُ معه حتى تُصبِح»؛ رواه ابن جريرٍ في "تفسيره".


وفي حديث سعدِ بن سِنان الخُدريِّ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإسراء والمِعراج قال: «ثم مضَت هُنيَّةٌ، فإذا أنا بأخوِنَة عليها لحمٌ مُشرَّح ليس يقرَبُها أحد، وإذا أنا بأخوِنَة عليها لحمٌ قد أنتَنَ وأروَحَ عندها أُناسٌ يأكلُون منها. قلتُ: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمَّتك يترُكون الحلالَ ويأتُون الحرام. قال: ثم مضَت هُنيَّةٌ، فإذا أنا بأقوامٍ بُطونُهم كالبُيوت، كلما نهضَ أحدُهم خرَّ يقول: ربِّ لا تُقِم الساعة، قال: وهم على سابِلَة آل فرعون. قال: فتجِيءُ السابِلةُ فتطؤُهم. قال: فسمعتُهم يضِجُّون إلى الله تعالى. قال: قلتُ: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمَّتك أكَلَةُ الرِّبا، الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275]»؛ رواه البيهقي في "دلائل النبوة".
والزوجيَّةُ بيتٌ يحتضِنُ الذريَّة، ويحنُو عليهم ويرعاهم ويُعلِّمُهم، وأبُوَّةٌ وأُمومةٌ تُعِدُّ الأجيالَ للقيامِ بأعباءِ الحياة، ونفعِ المُجتمع ورُقِيِّه في كل شأنٍ، وتُوجِّهُ إلى كلِّ خُلُقٍ كريمٍ، وتمنعُ من كلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ، وتُربِّي على الصالِحات للدار الآخرة والحياةِ الأبديَّة.
ويبتدِي الصغيرُ بما يرى، فيتأثَّرُ بما يُشاهِدُ ويسمَع، حيث لا قُدرةَ له على قراءة التاريخ وأخذ العِبَر منه والقُدوة.
وعقدُ الزواج ميثاقٌ عظيم، ورِباطُ قويم، وصِلةٌ شديدةٌ بين الزَّوجين، قال الله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ

اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا

(20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء: 20، 21].
قال المُفسِّرون: "هو عقدُ النّكاح".
وهذا العقدُ اشتملَ على مصالِح ومنافِع للزوجَين، ومنافِع ومصالِح للأولاد، ومصالِح ومنافِع لأقرباءِ الزَّوجَين، ومنافِع ومصالِح للمُجتمع، ومنافِع ومصالِح للدُّنيا والآخرة، لا تُعدُّ هذا المنافِعُ ولا تُحصَى.
ونقضُ هذا العقد، وإبطالُ هذا الميثاق، وقطعُ حبل الزوجيَّة بالطلاقِ يهدِمُ تلك المصالِح والمنافِع كلَّها، ويقعُ الزوجُ في فتنٍ عظيمةٍ تضرُّه في دينه ودُنياه وصحَّته، وتقعُ المرأةُ بالطلاقِ في الفتن بأشدَّ مما وقعَ فيه الزوجُ، ولا تقدِرُ أن تُعيدَ حياتَها كما كانت، وتعيشُ في ندامةٍ، لا سيَّما في هذا الزمان الذي قلَّ فيه المُوافِقُ لحالِها.
ويتشرَّدُ الأولادُ ويُواجِهون حياةً شديدةَ الوطأَة تختلفُ عما كانت عليه وهم في ظلِّ اجتماع الأبوَين، ويفقِدون كلَّ سعادةٍ تبتهِجُ بها حياتُهم، ويكونون مُعرَّضين للانحِرافِ بأنواعه المُختلفة، ومُعرَّضين للأمراض بأنواعها المُختلفة، ويتضرَّرُ المُجتمعُ بالآثار الضارَّة التي تكون بعد الطلاق، وتستحكِمُ القطيعةُ للأرحام. ومهما أُحصِيَ من مفاسِد الطلاق فهي أكثرُ من ذلك.
ولتعلَم مفاسِد الطلاقِ وكثرةَ أضراره الخاصَّة والعامَّة، تأمَّل في حديثِ جابرٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن إبليسَ يضعُ عرشَه على الماء، ثم يبعثُ سراياه، فأدانهم منه منزلةً أعظمُهم فتنةً، يجِيءُ أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا من المعاصِي، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجِيءُ أحدُهم فيقول: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنِيه منه ويقول: نعم، أنت أنت، فيتلزِمُه»؛ رواه مسلم.
وقد استخفَّ بعضُ الناس بالطلاقِ، فاستسهلَ أمرَه، ووقعَ في أمورٍ خطيرةٍ، وشُرورٍ كثيرةٍ، وأوقعَ غيرَه فيما وقعَ فيه. وقد كثُر الطلاقُ في هذا الزمان لأسبابٍ واهيَةٍ، ولعللٍ واهِمةٍ، وأسبابُ الطلاق في هذا الزمان كثيرة، ومن أكبرِها: الجهلُ بأحكام الطلاق في الشريعة، وعدمُ التقيُّد بالقرآن والسنَّة.
وقد أحاطَت الشريعةُ الإسلاميَّةُ عقدَ الزواجِ بكل رعايةٍ وعنايةٍ، وحفِظَته بسِياجٍ من المُحافَظةِ عليه، لئلا يتصدَّع وينهدِم، ويتزعزَعَ أمام عواصِف الأهواء؛ لأن سببَ الطلاق قد يكونُ من الزوج، وقد يكونُ من الزوجةِ، وقد يكونُ منهما، وقد يكونُ من بعضِ أقاربِهما. فعالجَت الشريعةُ كلَّ حالةٍ قد تكونُ سببًا في الطلاقِ.
فأمرَ الله في كتابِه الزَّوجَ أن يُعظِّم عقدَ الزَّواج، قال الله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة: 231]، وقال: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228].
قال المُفسِّرون: "للمرأة على الرجلِ مثلُ ما للرجلِ على المرأة بحُسن العِشرة، ويفضُلُها في القَوامَة".
وعلى الرجلِ العِشرةُ بالمعروف والإحسان، وإذا كرِهَها صبَرَ عليها لعلَّ الحالَ تتبدَّل إلى أحسن منها، أو لعلَّه يُرزقُ منها بأولادٍ صالحين، ويُؤجَرُ على صبرِه عليها، قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
وعلى الزوجِ والزوجةِ أن يُصلِحا أمورَ الخلاف في بدايتها؛ لئلا تزدادَ خلافًا، وعلى الزَّوجَين أن يعرِفَ كلٌّ منهما صاحبَه، فيأتي كلٌّ منهما ما هو أرضَى لصاحبِه، ويجتنِبُ كلٌّ منهما ما لا يحبُّ الآخر. فهذا ميسورٌ لا يخفَى.
ومن أسباب بقاءِ الزوجيَّة: الإصلاحُ بين الزَّوجَين من أهل الخير المُصلِحين، حتى يتحقَّق لكلٍّ منهما حقُّه الواجِبُ له على صاحبِه، قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء: 35].
ومن أسباب دوامِ الزَّواج وسعادته: الصبرُ والتسامُح؛ فمرارةُ صبرٍ قليل يعقبُه حلاوةُ دهرٍ طويل، وما استُقبِلَت المكروهات بمثلِ الصبرِ، قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10].
والتسامُح والعفوُ تزينُ به الحياة، ويكسُوها البَهجَة والسُّرور والجمال، وتندمِلُ به جِراحُ العِشرة. والتسامُحُ والعفوُ أمرٌ ضروريٌّ للحياة، ولا سيَّما بين الزوجَين. وإذا كان في أمورٍ كماليَّة، أو في أمورٍ قابلةٍ للتأخير، فالتسامُح هنا خيرٌ للزوجَين.
وفي هذا الزمان أُرهِقَ كثيرٌ من الأزواجِ بمطالِبِ الحياةِ و

إ

نجازها حتى وإن كانت كماليَّة، واستِقصاءُ كلِّ الحُقوق، وعدمُ التسامُح والعفوِ في بعضِها يُورِثُ النُّفرةَ والتباغُض بين الزوجَين.
والزواجُ رُوحُه التع

اوُن والرحمةُ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14].
والعداوةُ هنا هي التثبيطُ عن الخير، أو عدمُ الإعانةِ عليه، أو هي المنعُ منه.
وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
ومن أسبابِ دوامِ الزواج: تقويمُ الزوجِ ما اعوَجَّ من أخلاقِ المرأة، بما أباحَه الشرعُ وأذِنَ فيه، قال الله تعالى: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34].
وعلى القُضاةِ الإصلاحُ بين الزوجَين فيما يُرفَعُ إليهم من القضايا، حتى يتمَّ الاتفاقُ، وينتفِيَ الطلاقُ.
وحقُّ المرأة على الزوجِ: عِشرتُها بالمعروف، وسكَنُها الذي يصلُحُ لمثلِها، والنفقةُ والكِسوةُ، وبذلُ الخير وكفُّ الأذى والضرر عنها.
وقد يكونُ السببُ في الطلاقِ من المرأةِ ببذاءَة لسانِها، وسُوءِ خُلُقها، وجهلِها. فعليها أن تُقوِّم أخلاقَها، وتُطيعَ زوجَها، وتبذُل جهدَها في تربيةِ أولادِها التربية الصحيحة.
عن عبد الرحمن بن عوفٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحفِظَت فرْجَها، وأطاعَت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أيِّ أبوابِ الجنةِ شِئتِ»؛ رواه أحمد، وهو حديثٌ حسنٌ.
وعلى المرأةِ أن تخدِم زوجَها بالمعروف، تأسِّيًا بالصحابيات - رضي الله عنهن -، وما أحسنَ أن تكون مُشارِكةً له في سُروره أو حُزنِه، وأن تكون عونًا له على طاعةِ الله.
ومن أسبابِ الطلاقِ: تدخُّل أقرِباء أحدِ الزوجَين بينهما، أو أقرِباء كلٍّ منهما، فليتَّقُوا اللهَ وليقُولوا قولاً سديدًا، وفي الحديث: «لعنَ الله من خبَّبَ امرأةً على زوجِها، أو زوجًا على زوجتِه».
وعلى المرأة أن تقومَ بحقِّ أقرِباء الزوجِ، ولا سيَّما الوالدَين. وعلى الزوجِ أن يقومَ بحقِّ أقرِباء الزوجةِ، فكثيرًا ما يكونُ التقصيرُ في حقِّ أقرِبائِهما سببًا من أسبابِ الطلاق.

ومن أسبابِ الطلاق: التتبُّعُ للمُسلسلات الفضائيَّة التي تهدِمُ الأخلاق، أو المواقِع المُحرَّمة في الجوَّال، التي تنشُر الفساد.
ومن أسباب الطلاقِ: خروجُ الزوجةِ بغير إذنِ الزوجِ، ولا يحلُّ لها أن تخرُج إلا بإذنِه، وهو الذي يُقدِّرُ الأمورَ.
وإذا تعذَّرَت أسبابُ بقاءِ الزوجيَّة فقد أحلَّ الله الطلاقَ، وفي الحديث: «أبغَضُ الحلالِ إلى اللهِ الطلاقُ»، فيُطلِّقُ الزوجُ الطلاقَ الشرعيَّ بعد روِيَّةٍ وتأنٍّ، كما أمرَ الله تعالى في قولِه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق: 1].
قال المُفسِّرون: "يُطلِّقُها في طُهرٍ لم يُجامِعها فيه طلقةً واحدةً، فإن شاءَ راجعَها في العدَّة، وإلا تركَها حتى تنقضِيَ عِدَّتُها فتخرُج من عِصمتِه".
والطلاقُ بهذه الطريقةِ يفتَحُ بابَ الأملِ في الرَّجعة لبقاءِ الزواجِ، أو بعقدٍ جديدٍ ومهرٍ جديدٍ.
فانظر إلى تأكيد عقدِ الزواجِ وحِمايته في الشرعِ الحَنيف، وإلى الاستِهانةِ بالطلاقِ في هذا الزمانِ وما جرَّ من المآسِي، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، ونفعَنا بهديِ سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ الله لي ولكم وللمسلمين.




📑الخطبة الثانية📑👇

الحمدُ لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، شرعَ الأحكامَ بعلمِه وحكمتِه ورحمتِه فسُبحانَه من إلهٍ عظيم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له العليمُ الحكيم، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الكريمُ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه المُتمسِّكين بشرعِه القَويم.
أما بعد:
فاتَّقُوا الله حقَّ التقوَى، وتمسَّكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
عباد الله:
يقولُ - عزَّ وجلَّ -: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].
أيها المسلمون:
صارَ الطلاقُ جارِيًا على ألسِنةِ بعضِ الشبابِ من دون مُراعاةٍ لحقوقِ ولدٍ ولا قريبٍ ولا اعتبارٍ لأحد،

وق

د يقعُ بتكرَاره في أزمِنةٍ مُتباعِدة، أو تَكرَراه في مجلسٍ واحدٍ، ثم يتلمَّسُ الفتاوى، وقد يحتالُ، وقد تنسَدُّ عليه الطرُقُ ويندمُ ندامةً لا تنفعُه، وال

له تعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3].
ومن اتَّقَى الله في طلاقِه على الوجهِ الشرعيِّ جعلَ الله له مخرَجًا، ومن عظَّم عقدَ الزوجيَّة ولم يستخِفَّ به بارَكَ الله له في زواجِه، ونالَ عاقبةً حسنةً.
وبعضُ أنواع الطلاقِ الخاصَّة والحالات يكونُ الطلاقُ فيها إثمًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي أيوبَ: «إنَّ طلاقَ أمِّ أيوبٍ لحُوب».
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابةِ أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أذلَ الكفر والكافرين يا رب العالمين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين.
اللهم إنا نسألُك أن تغفِرَ لنا، اللهم يا ذا الجلال والإكرام اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّرُ، لا إله إلا أنت.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم تولَّ أمرَ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة، وأمرَ كلِّ مُسلمٍ ومسلمة، برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم ألِّف بين قلوبِ المُسلمين، وأصلِح ذاتَ بينهم.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام يا رب العالمين، نسألُك أن تنصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك يا رب العالمين.
اللهم فقِّهنا والمُسلمين في الدِّين، اللهم تُب علينا وعلى المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِذنا من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا وأعِذ ذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه وجنوده يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وشياطينه وذريَّته، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفَظ بلادَنا من كلِّ شرٍّ ومكرُوه، اللهم احفَظ حدودَنا من كلِّ شرٍّ ومكرُوهٍ يا رب العالمين، اللهم احفَظ جنودَنا إنك على كل شيءٍ قدير، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أبطِل خِططَ أعداءِ الإسلام يا رب العالمين، اللهم أبطِل مكرَ أعداءِ الإسلام التي يَكيدُون بها الإسلامَ يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، ......

❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄