عالم الإبداع: الفقه

مدونة عامة في كل المجالات

أهم المواضيع

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه. إظهار كافة الرسائل

2021/09/25

سبتمبر 25, 2021

مراقبةالعبد ربه في نفسه وجميع أموره و أحواله

 خطبة مكتوبة بعنوان:

#مراقبة_العبد_ربه_في_نفسه_وجميع_أموره_وأحواله “

 



الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله جابرِ قلوب المُنكسرة قلوبهم مِن أجْلِه، وغافرِ ذنوب المستغفرين بفضله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا شيء كمثله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه بالهدى ودين الحق ليُظهِرَه على الدين كلِّه، وخيَّرَه بين أنْ يكون ملِكًا نبيًّا أو عبدًا رسولاً، فاختار مقام العبودية مع الرسالة، تنويهًا بشرَف هذا المَقام وفضلِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والمستمسكين مِن بعدِهِم بحبلِه.

أمَّا بعد أيُّها الناس:

فإنَّ مِن أعظم وأنفع ما يَعظ بِه الواعظون، ويُوصِي بِه الموصُون، ويَنصح بِه الناصحون، ويُرشِد إليه المتكلِّمون: “مراقبةَ العبد ربَّه ــ جلَّ وعلا ــ في نفسه، وفي جميع أموره وأحواله، ومع جميع خلقه، وفي السِّر والعلَن، والحضَر والسفر”.

فراقبوا الله ــ جلَّ وعزَّ ــ في جميع أحوالكم، وسائر أوقاتكم، وفي كل ما تفعلون وتَذرون، فإنَّه سبحانه مطَّلِع على قلوبكم، ومطَّلِع على أقوالكم، ومطَّلِع على أفعالكم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يَخرج عن علمه شيء في سائر الأزمان، ولا يَغيب عنه مثقالُ ذرة مِن طاعة أو عصيان، وقد قال سبحانه مُرهِّبًّا لنا: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، أي: مراقبًا لنا ولكل شيء، وعالمًا بِنا وبكل شيء، وقائمًا علينا وعلى كل شيء، وقادرًا علينا وعلى كل شيء، فالخلق خلقُه، والأمر أمْرُه، وإليه يُرجع الأمر كلُّه، له ما بين أيدينا، وما خلفنا، وما بين ذلك، وما كان ربُّك نسيًّا.

وسُئِل إسماعيل بن نُجيد ــ رحمه الله ــ: (( مَا الَّذِي لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْهُ؟ قَالَ: مُلَازَمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى السُّنَّةِ، وَدَوَام الْمُرَاقَبَةِ )).

واعلموا أنَّ مراقبة الله العزيز القادر تتأكد علينا في أحوال ثلاثة:

الحال الأوَّل: أنْ نُراقِبَه سبحانه حين فِعل الطاعات والعبادات القولية والفعليه.

فنُراقِبَه في قصْد قلوبنا مِن فِعلها، وهل مرادنا وجْهَه سبحانه ورضاه عنَّا أو حصول الذِّكر والمدح والسُّمعة والشُّهرة، هل المُحرِّك لنا إليها هو الهَوى والنَّفس أو هو الله تعالى خاصة، لأنَّ هذه المراقبة تُصلِح قلوبنا، وقد قال أبو حفصٍ لأبي عثمانَ النيسابوري ــ رحمهما الله ــ: (( إِذَا جَلَسْتَ لِلنَّاسِ فَكُنْ وَاعِظًا لِقَلْبِكَ وَنَفْسِكَ، وَلَا يَغُرَّنَّكَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ يُرَاقِبُونَ ظَاهِرَكَ، وَاللَّهُ يُرَاقِبُ بَاطِنَكَ )).

ونُراقِبَه في صفة فِعلها حين أدائها، وهل فِعْلُنا لها مبنيٌّ على علمٍ أمْ على جهل، أموافقٌ للسُّنَّة أمْ مُخالف، لأنّ هذه المراقبة تُصلِح طاعاتنا وعباداتنا وأعمالنا، وتجعلها مقبولة عند الله ربنا وحسَنة، إذ العبرة في شريعة الله إنَّما هي بحُسن العمل لا بكثرته، حيث قال الله سبحانه في أوَّل سورة المُلك: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }، والعمل لا يكون حسنًا ومقبولًا عند الرَّب تعالى وتقدَّس إلا بشرطين يجب أنْ يُحققهما العامل:

أوَّلُهُما: أنْ يكون قصده مِن عمله حين فِعله له هو وجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته.

والثاني مِنهما: أنْ يكون ما عمله مِن عملٍ قد دَلَّ عليه دليل مِن الشريعة.

وقد ثبت عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي بِدْعَةٍ ))، أيْ: فِعلُ عملٍ قليلٍ عليه دليل مِن السُّنَّة النَّبوية خيرٌ وأعظم مِن فِعل عملٍ كثيرٍ ليس عليه دليل.

وما لا دليل عليه في الشرع يُسمَّى بِدعة، والبِدعة محرٌّمة بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي مِن أغلظ وأشدِّ المحرَّمات.

الحال الثاني: أنْ نُراقِبَه سبحانه عند الهَمِّ بفعل السيئات والخطيئات.

سيِّئات القلب، مِن حُبِّه وبُغضه على خلاف شريعة الله، وغِلِّه وحِقده وحَسده وضغينته وكُرْهه، وسيِّئات اللسان، مِن غِيبةٍ ونَميمة وكذب ولعن وسَبٍّ وسُخرية واستهزاء وقولٍ في دين الله بغير علم، وسيِّئات الجوارح، سيِّئات السَّمْع والبَصر واليدين والقدمين والفَرْج، لأنَّ هذه المراقبة تنفعنا أشدَّ نفع، ويَحصل لنا بِها غُنمٌ كبير، ونَجد خيرَها وبركتَها وثمرَتها في الدنيا قبل الآخرة، حيث تمنعُنا عن مُقارفة كثير مِن الآثام والفواحش والقبائح، أو على الأقَلّ تُخفِّف مِن فِعلنا لها وتُقلِّل.

الحال الثالث: أنْ نُراقِبَه سبحانه في الخَلوة والسِّر كما نُراقبه في العلَن.

فنُراقِبَه في الخلوة حين لا يرانا أحد مِن الناس، ولا يعلم بنا أحد مِن الخلق، حين نخلو بأنفسنا، أو نبتعد عمَّن يَعرفنا، فلا نتجرَّأ على فِعل المعاصي، ومُقارفة الفواحش، وإتيان القبائح، وترْك الفرائض، وتعطيل الواجبات، وتضييع الحقوق، لأنَّ بعض الناس تَضعُف عنده مراقبة الله إذا خلا بنفسه وانفرد عن أهله أو رفاقه أو غيرهم، فتراه يجترأ على محارم الله، فيُمارس المحرمات والقبائح أو يَنظر إليها عبر الفضائيات، وفي مواقع الإنترنت، أو يتكلَّم بها عبْر الهواتف وبرامج التواصل مع مَن لا يَحِلُّ له مِن الإناث أو الذكور، وبعضهم تَضعُف عنده مراقبة الله تعالى أكثر إذا سافر وترَك مدينته وقريته وأهله وأقاربه ورِفاقه فيفعل مِن الرذائل والقبائح والفواحش ما يَشيب له الرأس، ويترُك مِن الفرائض الكثير، فقد أصبح في بلاد غُربة لا يعرفه أهلها، ولا يَدرون مَن هو، فلا يستحيي مِنهم، ولا يخشى الفضيحة بينهم، ولا يَخاف عقوبة، فقد يكون في بلد تسمح بالفجور، ولا تُجرِّم انتهاك محارم الله، وتجاوز حدوده.

ولئنْ خلا صاحب هذا الحال عن الناس أو ذهب عن بلده وأهله ومَن يعرفونه فأين يذهب مِن  ربِّه ــ عزَّ وجلَّ ــ القائل في تنزيله ووحيه مُحذِّرًا: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }، معكم بعلمه وقدرته في جميع أماكن وجودكم مِن الأرض، فهو سبحانه يرانا ونحن في البَرِّ، ويرانا ونحن في الجوِّ، ويرانا ونحن في البحر، يرانا ونحن في بيوتنا وبلداننا مع أهلينا وقرابتنا وأصدقائنا، ويرانا ونحن في غير بلداننا مع الغرباء والأباعد، ويرانا ونحن في الأسواق، وفي الطُّرقات، وفي الفنادق، وفي المراكب، وفي الملاعب، وفي البحار، وفي المسابح، وفي الملاهي.

أين نفر، وكيف نتخفَّى، وبمَن نَلوذ ونحتمِي، لا مفرَّ مِن الله إلا إليه، فهو معنا بعلمه وإحاطته، ومعنا بسمعه وبصره، ومعنا بقدْرته علينا أينما كنَّا، وحيث تواجدنا، وعلى أيِّ حالة صِرنا، ومع أيِّ الناس شئنا.

 وهذا من أعظم وأشد وأغلظ الوعيد الصارف للعبد عن اقتراف الآثام، والتقصير في العبادات، وإضاعة الحقوق، والتفريط في الواجبات لِمَن كان له قلب ليِّن مُنيب حيٌّ سلِيم.

أين يذهب مَن هذه حاله مِن قول ربِّه سبحانه مُتوعِّدًا ومهدداً: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِل الْمِرْصَادِ }، أي: يَرصُد أعمال العباد في الدنيا فلا يفوته مِنها شيء وإن دَقَّ، ولا يَعزُب عنه ما فعلوه في شبابهم ولا ما فعلوه في كُهولتهم، ولا ما فعلوه في شيخوختهم، وهو بالمرصاد لِمَن يُبارزه بالعصيان، والتفريط فيما أوجَب، حيث يُمهله قليلاً، ثم يأخذه أخْذَ عزيز مُقتدِر، أخْذًا أليمًا، أخذًا وبيلًا، حينها يقول مُتحسِّرًا مُتألِّمًا: { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }{ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي }.

أيُّها الناس:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ )).

وفي هذا الحديث الشريف بيانٌ لحال صِنفين من الناس:

أوَّلُهما: قوي المراقبة لله تعالى.

وهو الكيِّس اللَّبيب الحازم العاقل الذي ينظر في عواقب ما يَفعل ويترُك، ويقول ويسمع، فهو يُجاهد نفسه، بل يقهرها، ويستعملها فيما يعلم أنَّه ينفعها في دنياها، وبعد موتها في قبرها وآخِرتِها، حتى ولو كانت كارهة لذلك، فالنفس أمَّارة بالسوء إلا ما رَحِم ربِّي، فتحتاج إلى مجاهدةٍ شديدة، وقهرٍ لها وقسْر، وصبر على ذلك ومُصابرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ))، وقال رجلُ لعبد الله بن عَمروٍ ــ رضي الله عنه ــ: (( مَا تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ فقَالَ له: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا )).

والثاني مِنهما: ضعيف المراقبة لله بل عاجزها.

ومِن ضَعْفِ مراقبته وشدَّة عجزِه أنَّ كلَّما هوته نفسه وأرادت فِعله مِن شهوة أو معصية أجاب طلبها ولبّاه وبادر إليه، وهذا هو العاجز الأحمق الجاهل الذي لا يفكِّر في عواقب ما يَفعل ويترُك ويقول ويسمع، بل يُتابع نفسه على ما تهواه وتشتهيه، وهي لا تهوى إلا ما تظن أنَّ فيه لذَّتَها وشهوتَها في العاجل، وإنْ عاد ذلك بضرٍر لها فيما بعد الموت، وقد يعود ذلك عليها بِالضَّرر في الدنيا قبل الآخِرة، فيحصل له العار والفضيحة وسُقُوط المنزلة والهوان والخِزي، ويُحرَم بسبب ذلك مِن العلم النافع، والبركة في الرِّزق، وغير ذلك مِن الخيرات.

وفقني الله وإيَّاكم لاتباع رضوانه، وغمرَني وإيَّاكم بعفوه وغُفرانه، ورزقني وإيَّاكم خيرات بِرَّه وإحسانه، وأدخلنا في زُمرة أحبابه المخصوصين بِمَنِّه وأمانه، إنَّه سميع مجيب.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله ربَّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، كما يُحِب ربُّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهِه وعِزِّ جلاله، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد، فيا أيًّها الناس:

إنَّ مِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة: ما حصل مِن نبي الله يوسف ــ عليه السلام ــ حين راودته امرأة عزيز مِصر عن نفسه حين خلَت بِه وغلَّقت الأبواب، حيث قال الله سبحانه عن ذلك: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }.

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما جاء في قصة الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى غارٍ فانحدَرَت صخرةٌ فانطبقت عليهم، وأغلقت باب الغار، فقالوا: انظروا ما عملتم مِن الأعمال الصالحة فاسألوا الله تعالى بِها فإنَّه يُنجِّيكم، فذَكر كل واحد مِنهم سابقة خيرٍ سَبقت له مع ربَّه، فانحدَرَت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون، وقصتهم مشهورة في “صحيح البخاري” وغيره، وكان مِن قول أحدِهم ومراقبته لربِّه: (( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا )).

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما صحَّ عن نافع مولى ابن عمر ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ــ رضي الله عنهما ــ لَقِيَ رَاعِيًا بِطَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ: بِعْنِي شَاةً؟ قَالَ: لَيْسَتْ لِي. قَالَ لَهُ: فَتَقُولُ لِأَهْلِكَ أَكَلَهَا الذِّئْبُ؟ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ، قَالَ: اسْمَعْ، وَافِنِي هَاهُنَا إِذَا رَجَعْتَ مِنْ مَكَّةَ، وَمُرْ مَوْلَاكَ يُوَافِينِي هَاهُنَا، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَ رَبَّ الْغَنَمِ وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ، وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغُلَامَ، فَأَعْتَقَهُ وَوَهْبَ لَهُ الْغَنَمَ )).

جعلني الله وإيَّاكم مِمَّن إذا ذُكِّر ادَّكَر، وإذا وعِظ اعتبر، وإذا أُعطِي شَكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنَب استغفر، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، واجعلنا مِمَّن يكون يوم القيامة مُنعَّمًا مسرورًا، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄

2021/07/05

يوليو 05, 2021

من أحكام الهدي و الأضحية

 


أحكام الهدي والأضحية


الهدي: ما يهدى للحرم ويذبح فيه من نعم وغيرها، سمي بذلك لأنه يهدى إلى الله سبحانه وتعالى.


 والأضحية: بضم الهمزة وكسرها: ما يذبح في البيوت يوم العيد وأيام التشريق تقربا إلى الله، وأجمع المسلمون على مشروعيتهما.


قال العلامة ابن القيم: القربان للخالق يقوم مقام الفدية للنفس المستحقة للتلف، وقال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، فلم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعا في جميع الملل ، انتهى.


وأفضل الهدي الإبل، ثم البقر، إن أخرج كاملا؛ لكثرة الثمن، ونفع الفقراء، ثم الغنم.


وأفضل كل جنس أسمنه ثم أغلاه ثمنا؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).


ولا يجزئ إلا جذع الضأن، وهو ما تم له ستة أشهر، والثني مما سواه من إبل وبقر ومعز، والثني من الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن المعز ما تم له سنة.


وتجزئ الشاة في الهدي عن واحد، وفي الأضحية تجزئ عن الواحد وأهل بيته، وتجزئ البدنة والبقرة في الهدي والأضحية عن سبعة، لقول جابر: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة في واحد منهما ، رواه مسلم، وقال أبو أيوب -رضي الله عنه-: كان الرجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، والشاة أفضل من سبع البدنة أو البقرة.


ولا يجزئ في الهدي والأضحية إلا السليم من المرض ونقص الأعضاء ومن الهزال، فلا تجزئ العوراء بينة العور، ولا العمياء، ولا العجفاء -وهي الهزيلة التي لا مخ فيها-، ولا العرجاء التي لا تطيق المشي مع الصحيحة، ولا الهتماء التي ذهبت ثناها من أصلها، ولا الجداء التي نشف ضرعها من اللبن بسبب كبر سنها، ولا تجزئ المريضة البين مرضها؛ لحديث البراء بن عازب، قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي رواه أبو داود والنسائي.


ووقت ذبح هدي التمتع والأضاحي بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق على الصحيح.


ويستحب أن يأكل من هديه إذا كان هدي تمتع أو قران ومن أضحيته ويهدي ويتصدق، أثلاثا؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا)، وأما هدي الجبران، وهو ما كان عن فعل محظور من محظورات الإحرام أو عن ترك واجب، فلا يأكل منه شيئا.


ومن أراد أن يضحي، فإنه إذا دخلت عشر ذي الحجة، لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا إلى ذبح الأضحية؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي رواه مسلم.


فإن فعل شيئا من ذلك، استغفر الله، ولا فدية عليه.


(الملخص الفقهي، للشيخ الدكتور صالح الفوزان:1/-451449

شروط من يذبح الاضحية

حكم من يستطيع الاضحية ولم يضحي

حكم من نوى الاضحية ولم يضحي

حكم من نوى الاضحية وحلق

حكم من نوى الاضحية بعد دخول العشر

شروط من نوى الاضحيه

من شروط صحة الاضحية في الضأن

هل من شروط الاضحية عدم قص الشعر

هل من شروط الاضحية عدم الحلق

من شروط صحة الأضحية

من شروط ذبح الاضحية

حكم من ذبح الأضحية قبل الإمام

حكم من ترك الأضحية عمدا

من شروط الاضحية

احكام الاضحية وشروطها

احكام الاضحية عند المالكية

احكام الاضحية اسلام ويب

احكام الاضحية عند الشيعة

احكام الاضحية في الاسلام

احكام الاضحية في الاسلام pdf

احكام الاضحية للمضحي


2021/07/02

يوليو 02, 2021

الجمع بين حديثي عائشة وحفصة في صيام تسع ذي الحجة

العشر من ذي الحجة


 الجمع بين حديثي عائشة وحفصة في صيام تسع ذي الحجة


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد، وعلى وآله وصحبه، أما بعد:


فما أن يدخل على الناس شهر ذو الحجة من كل عام حتى يدور نوع من الخلاف حول صيام تسع ذي الحجة الأول، فمن قائل بسُنيَّة الصوم فيها، ومن قائل: لا نعلم دليلًا للصوم في هذه الأيام، إلا ما ورد بشأن صوم يوم عرفة لغير الحجاج، والخلاف ذلك لورود حديثين ظاهرهما التعارض في ذلك الشأن.


أولهما: حديث مثبت للصوم وهو حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها؛ ففي سنن أبي داود (2437)، وأحمد (22334) (26468) (27376)، والنسائي في الكبرى (2739) عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ».


وأخرج النسائي في "الكبرى" (2737)، وفي "السنن الصغرى" (2416) عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرُ، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَينِ قَبْلَ الْغَدَاةِ»، وفي الصغرى كذلك برقم (2418) عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ».


وثانيهما: حديث ينفي صوم النبي صلى الله عليه وسلم لعشر ذي الحجة؛ وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1176) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ».


توجيه العلماء والمحققين لحديث عائشة رضي الله عنها:


(1) أنها نفت علمها ولم تنفِ علم غيرها.


قال المناوي في "فيض القدير" (5 /474): وأما خبر مسلم عن عائشة لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا العشر قط، وخبرها ما رأيته صامه، فلا يلزم منه عدم صيامه؛ فإنه كان يقسم لتسع فلم يصمه عندها وصامه عند غيرها؛ كذا ذكره جمعٌ، وأقول: ولا يخفى ما فيه؛ إذ يبعد كل البعد أن يلازم في عدة سنين عدم صومه في نوبتها دون غيرها، فالجواب الحاسم لعرق الشبهة أن يقال: المثبت مقدم على النافي على القاعدة المقررة عندهم، وزعم بعض أهل الكمال أن الرواية في خبر عائشة (يُرَ) بمثناة تحتية وبنائه للمجهول، ثم إن هذا الحديث عورض بخبر البخاري وغيره: ما العمل في أيام أفضل منها... انتهى.


(2) أنها نفت صيامه صلى الله عليه وسلم على وجه الوجوب:


قال الأثرم: فأما حديث عائشة الأول، فإنه ليس فيه بيان مذهب، وذلك أنها لما حكت أنها لم تره صائم العشر، فقد يكون ذلك على أنها لم تره هي، ورآه غيرها، وذلك أنه إنما كان يكون عندها في الأيام يومًا، وقد يكون ذلك على أن يكون لم يصم العشر على أنه ليس بواجب، ومن صامه فله فضل، فليس في هذا بيان؛ [ناسخ الحديث ومنسوخه ص (180)].


وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَا لَفْظُهُ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، قَالَ: وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ.


(3) أنها نفت صيامه لعذرٍ عارض:


قال النووي: فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ؛ انتهى؛ [شرح مسلم للنووي (8 /72)].


(4) المثبت مقدم على النافي:


قال البيهقي بعد تخريج الحديثين: "والمثبتُ أَولى من النَّافي"؛ [السنن الكبرى للبيهقي (4/ 285) ].


قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (4 / 1413): إِذَا تَعَارَضَ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فَالْإِثْبَاتُ أَوْلَى ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِثْبَاتَ أَوْلَى عَلَى فَرْضِ الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِهِ فَلَا مَعَ بُعْدِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ أَوْقَاتُ نَوْبَتِهَا وَقَوْلُهَا قَطُّ يَنْفِي الْقَوْلَ بِحَمْلِ الرُّؤْيَةِ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْعِلْمِيَّةِ، وَأَيْضًا عَدَمُ صِيَامِهِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا سُنَّةً لِأَنَّهَا كَمَا تَثْبُتُ بِالْفِعْلِ تَثْبُتُ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغَّبَ فِي صِيَامِهَا بِمَا ذَكَرَ مِنَ الثَّوَابِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ، وَلِذَا مَا كَادَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْضُ مَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّهُ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ الْحِجَّةِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهَا أَحْيَانًا؛ انتهى.


 


(5) نفي عائشة رضي الله عنها لصيام التسع كلها لا لبعضها:


قال السندي في حاشيته على ابن ماجه (1 /527): قَوْلُهُ: (صَامَ الْعَشْرَ قَطُّ) لَا يُنَافِي صَوْمَ بَعْضِهَا.


قال الشيخ أبو الحسن المباركفوري في "مرعاة المفاتيح "(7 /52): وقيل: المراد نفي جميع العشر وفيها يوم العيد، وهذا لا ينافي صوم بعضها، وقيل: يحتمل أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل في بعض الأحيان، وهو يحب أن يعمله خشية أن يظن وجوبه.


وقال الحافظ ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص 262): إذا اختلفت عائشة وحفصة في النفي والإثبات، أخذ بقول المثبت؛ لأن معه علمًا خفي على النافي، وأجاب أحمد مرة أخرى بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملًا، يعني وحفصة أرادت أنه كان يصوم غالبه، فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه، وهذا الجمع يصح في رواية من روى ما رأيته صائمًا العشر؛ انتهى.


(6) تأويل حديث عائشة رضي الله عنها على لفظ: لم يُرَ أو "ما رُئيَ "، ويكون معناه: ما رآه غيري صائمًا؛ جاء في "العرف الشذي" للكشميري (2 /180): وقيل: إن في رواية عائشة تصحيفًا، والأصل ما رُئيَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي ما رآه صائمًا غيري؛ أي: غير عائشة، والله أعلم.


قلت: وهو تأويل بعيد لا تسانده الرواية.


(7) صام النبي فاطلعت حفصة وحفظته، وخفي عن عائشة، أو نسيته:


جاء في "مجلة البحوث الإسلامية" (55 /110) في الجمع بين الحديثين: كان يصوم العشر في بعض الأحيان، فاطلعت حفصة على ذلك وحفظته، ولم تطلع عليه عائشة، أو اطلعت عليه ونسيته.


(8) صام بعضها في بعض السنوات، وصامها كلها في بعض السنوات، وتركها في بعض السنين لعارض.


قال في المجموع شرح المهذب ( 6/ 388): كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الأحاديث؛ انتهى، وقال الحافظ في "فتح الباري" (2 /460): وَاسْتُدِلَّ بِهِ([1]) عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ، وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ؛ كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا؛ انتهى، وقال ابن الملك الكرماني في "شرح المصابيح" (2 /539):


وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صائمًا في العشر"؛ أي: من أول ذي الحجة.


"قط": وهذا لا ينفي كونه سنة؛ لأنه جاز أنه عليه الصلاة والسلام صامها قبل تزوُّجِهِ بعائشة رضي الله عنها، أو لم يصمْ في نوبتها، فإذا تعارضَ النفيُ والإثباتُ، فالإثباتُ أولى.


قال أبو العباس القرطبي: وترك النبي صلى الله عليه وسلم صومه إنما كان والله أعلم لما قالته عائشة رضي الله عنها في صلاة الضحى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشيةَ أن يعمل به الناس، فيُفرض عليهم، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يوافق عشرًا خاليًا عن مانع يمنعه من الصيام فيه، والله تعالى أعلم؛ [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (10 /27)].


(9) تأويل حديث حفصة رضي الله عنها المثبت للصوم: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة » بأن المراد به اليوم التاسع فقط.


ويجاب عنه بأن الحديث عند النسائي بلفظ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْعَشْرَ»؛ سنن النسائي (2418).


وقال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري: ويمكن أن يكون مراد عائشة رضي الله عنها من نفي صومه صلى الله عليه وسلم في العشر، نفيه في جميع العشر، لا في بعض يوم منه، ويكون مراد حفصة من التسع اليوم التاسع خاصة، وكذلك يكون مراد بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من العشر اليوم المعهود الذي يهتم بصيامه في العشر، وهو اليوم التاسع يوم عرفة، والله أعلم؛ [منة المنعم في شرح صحيح مسلم (2 /211)].


(10) حمل حديث عائشة على صوم تسع وإفطار العاشر، وهو يوم النحر، ويصدق على عدم الصوم في العشر مطلقًا، وهذا مقصود عائشة ليتوافق مع الرواية الأولى؛ ["فتح المنعم بشرح صحيح مسلم" للدكتور موسى شاهين (5 /78)].


والله تعالى وحده من وراء القصد

2018/12/01

ديسمبر 01, 2018

مختصر لصفة العمرة ✍ للشيخ محمد العثيمين رحمه الله


مختصر لصفة العمرة     ✍ للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

               مختصر لصفة العمرة

               ✍ للشيخ محمد العثيمين رحمه الله

📌إذا أراد أن يحرم بالعمرة فالمشروع أن يتجرد من ثيابه، ويغتسل كما يغتسل للجنابة، ويتطيب بأطيب ما يجد من دهن عود أو غيره في رأسه ولحيته، ولا يضره بقاء ذلك بعد الإحرام لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: 'كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص المسك في رأسه ولحيته بعد ذلك'.

والاغتسال عند الإحرام سنة في حق الرجال والنساء حتى النفساء والحائض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس حين نفست أن تغتسل عند إحرامها و تستثفر بثوب وتحرم(1)..

📌ثم بعد الاغتسال والتطيب يلبس ثياب الإحرام، ثم يصلي – غير الحائض و النفساء – الفريضة إن كان في وقت فريضة وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء،

📌فإذا فرغ من الصلاة أحرم وقال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. يرفع الرجل صوته بذلك، والمرأة تقوله بقدر ما يسمع من بجنبها.

📌وإذا كان من يريد الإحرام خائفاً من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه ينبغي أن يشترط عند الإحرام فيقول عند عقده: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني أي منعني مانع عن إتمام نسكي من مرض أو تأخر أو غيرهما فإني أحل من إحرامي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضباعة بنت الزبير حين أرادت الإحرام وهي مريضة أن تشترط وقال: 'إن لك على ربك ما استثنيت'(2)، فمتى اشترط وحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه فإنه يحل ولا شيء عليه.

📌و أما من لا يخاف من عائق يعوقه عن إتمام نسكه فإنه لا ينبغي له أن يشترط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط، ولم يأمر بالاشتراط كل أحد، وإنما أمر به ضباعة بنت الزبير لوجود المرض بها.

📌و ينبغي للمحرم أن يكثر من التلبية خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان مثل أن يعلو مرتفعاً، أو ينزل منخفضاً، أو يقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار.

📌والتلبية مشروعة في العمرة من الإحرام إلى أن يبتدئ بالطواف، وفي الحج من الإحرام إلى أن يبتدئ برمي جمرة العقبة يوم العيد.

📌وينبغي إذا قرب من مكة أن يغتسل لدخولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل عند دخوله،

📌فإذا دخل المسجد الحرام قدم رجله اليمنى وقال: 'بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، أعوذ بالله العظيم، ، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم'

📌ثم يتقدم إلى الحجر الأسود ليبتدئ الطواف فيستلم الحجر بيده اليمنى ويقبله، فإن لم يتيسر تقبيله قبل يده إن استلمه بها، فإن لم يتيسر استلامه بيده فإنه يستقبل الحجر ويشير إليه بيده إشارة ولا يقبلها،

📌والأفضل ألا يزاحم فيؤذي الناس ويتأذى بهم لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر: 'يا عمر، إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر'.

📌ويقول عند استلام الحجر: بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

📌ثم يأخذ ذات اليمين ويجعل البيت عن يساره،

📌فإذا بلغ الركن اليماني استلمه من غير تقبيل، فإن لم يتيسر فلا يزاحم عليه ، ويقول بينه وبين الحجر الأسود: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة،

📌 وكلما مر بالحجر الأسود كبر ،

📌ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة القرآن، فإنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.

📌وفي هذا الطواف ، أعني الطواف أول ما يقدم ينبغي للرجل أن يفعل شيئين :

أحدهما: الاضطباع من ابتداء الطواف إلى انتهائه، وصفة الاضطباع أن يجعل وسط ردائه داخل إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أعاد رداءه إلى حالته قبل الطواف؛ لأن الاضطباع محله الطواف فقط.

الثاني: الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، والرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطوات، وأما الأشواط الأربعة الباقية فليس فيها رمل وإنما يمشي كعادته.

📌فإذا أتم الطواف سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) ثم صلى ركعتين خلفه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) بعد الفاتحة.

📌 فإذا فرغ من صلاة الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه إن تيسر له.

📌ثم يخرج إلى المسعى فإذا دنا من الصفا قرأ: (إِنَّ الصَّفَا و َالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه)

📌 ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه فيحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم هنا: 'لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المل

ك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بين ذلك'.

📌ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً،

📌 فإذا بلغ العلم الأخضر ركض ركضاً شديداً بقدر ما يستطيع ولا يؤذي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسعى حتى ترى ركبتاه من شدة السعي يدور به إزاره،
وفي لفظ: وأن مئزره ليدور من شدة السعي.

📌 فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته حتى يصل إلى المروة فيرقى عليها، ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويقول ما قاله على الصفا،

📌 ثم ينزل من المروة إلى الصفا فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، فإذا وصل الصفا فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يكمل سبعة أشواط،

📌ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر،

📌ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة.

📌فإذا أتم سعيه سبعة أشواط حلق رأسه إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من كل قدر أنملة.

📌ويجب أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس،

📌والحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة،
إلا أن يكون وقت الحج قريباً بحيث لا يتسع لنبات شعر الرأس؛ فإن الأفضل التقصير ليبقى الرأس للحلق في الحج بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يقصروا للعمرة؛ لأن قدومهم كان صبيحة الرابع من ذي الحجة.

📌وبهذه الأعمال تمت العمرة ،

📌 فتكون العمرة :
📌 الإحرام،
📌والطواف،
📌والسعي،
📌والحلق أو التقصير،

📌ثم بعد ذلك يحل منها إحلالاً كاملاً ويفعل كما يفعله المحلون من اللباس والطيب وإتيان النساء وغير ذلك.

-----------------
الهوامش:-
(1) رواه مسلم، كتاب الحج رقم (1218).
(2) رواه البخاري، كتاب النكاح رقم (5089) ومسلم، كتاب الحج رقم (1207) والنسائي، كتاب مناسك الحج رقم (2766).

📚 المصدر: مِن كتاب المنهج لمريد العمرة والحج للإمام ابن عثيمين رحمه الله
✍❄ا••┈┈•••🌟•••┈┈••ا

2018/08/11

أغسطس 11, 2018

فقه الترخص وتطبيقاته في باب الحج عبد المنعم الشحات



فقه الترخص وتطبيقاته في باب الحج
 عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فإن السنة وسط بين الغالي والجافي، وهذا يصدق في باب الاعتقاد كما يصدق في باب العمليات

ومن أكثر الأبواب التي تفرق الناس فيها عن السنة بين غال وجاف باب الرخص، لاسيما في الحج والذي يخرجه التوسع في الرخص عن كونه عبادة يشعث العبد فيها بدنه ويغبر قدمه إلى رحلة ترفيهية لا تعمل في القلب أثرها المقصود

 كما أن مجافاة الرخص فيها تحوله إلى ساحة عراك وشجار وتضييع لحرمات المؤمنين مما يخرجه عن مقصوده من وحدة الأمة واجتماعها

ولذلك كانت هذه المحاولة لفهم باب الرخصة وتطبيقه على رخص الحج.

يعرف علماء الأصول العزيمة بأنها ما شرعت ابتداء، والرخصة ما شرعت بسبب قيام مسوغ لتخلف الحكم الأصلي، وهي تشمل نسخ الحكم الشديد إلى الأخف في حق جميع الأمة على الراجح.

ومن ثم يقال على المسح على الخفين أنه رخصة مع أنه مشروع للمقيم والمسافر، ويقال عن نسخ الأضحية من الوجوب إلى الاستحباب أنه رخصة وهكذا.

 ومن هذا في باب الحج الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد على هيئة التمتع أو القران فيسمى رخصة للتسهيل فيه من إجراء أعمال واحدة عن عبادتين، كما أن الرخصة تأتي بسبب الضرورة (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(البقرة: 173)،

وهذه تحتاج إلى فتوى عالم بالشرع وبالواقع لكي يفتي بأن حالة ما ضرورة أو أنها ليست كذلك.

 وكان الشيخ الألباني - رحمه الله- كثيرا ما يقول: "لقد حفظ الناس قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" ولم يحفظوا معها القاعدة الأخرى التي تضبطها وهي "الضرورة تقدر بقدرها".

كما أن الرخصة تأتي بسبب الحاجة.
 وقد وردت كثير من النصوص الشرعية بالتيسير في مواطن لا تبلغ مبلغ الضرورة، وبين الله هذا الأصل من أصول التشريع بقوله (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج: 78)

 ومن أمثلة ذلك الفطر والجمع والقصر في السفر ومن المعلوم أنه لا يبلغ مبلغ الضرورة.

وقد جفا كثير من الناس في هذه الرخص فأرادوا أن يقصروا الرخصة فيها على حال الضرورة، وكان هذا سيصح لو لم ترد النصوص المصرحة باعتبار هذه الحاجة، ومعظم رخص الحج من باب رخص الحاجات، من الترخيص للضعفاء بالدفع من مزدلفة قبل الفجر، ومن عدم اشتراط الترتيب في أعمال يوم النحر مع أن الأصل وجوبه لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (خذوا عني مناسككم)(رواه مسلم)

 وهذه الرخص ما كان فيها منصوصا عليه فلا خلاف في العمل به ولكن هل يمكن أن يقاس عليه غيره أم لا؟

نظر العلماء في المواطن التي وردت فيها الرخص من أجل مصالح حاجية فوجدوا أنها عامة يحتاجها عدد كبير من المكلفين - إن لم يكن كلهم- كرخص السفر ورخص الحج، وبيع السلم وبيع العرايا ونظر الخاطب للمخطوبة، وتضبيب الإناء المكسور بالفضة مع وجود غيره.

 ومن هنا استنبط العلماء قاعدة "أن الحاجات عند عموم البلوى بها تنزل منزلة الضرورة"

 وإذا طبقنا هذه على الأمثلة المنصوص عليها ولنأخذ على سبيل المثال نظر الخاطب إلى المخطوبة، فالأصل هو حرمة النظر إلى الأجنبية، ولولا ورود الدليل على جواز النظر من أجل الحاجة لم يكن لقائل أن يجيز النظر إلى المخطوبة من أجل الخطبة لكونها لا ترقى إلى درجة الضرورة، ولكن بالنظر إلى أن عامة الناس يحتاجون إلى النكاح وأن الزواج بغير نظر سابق يعرضه إلى الفشل بنسبة كبيرة، مما يعرض المجتمع كله إلى حالة من الضيق تساوي حالة الضرورة أو ربما زادت، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم-: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)(رواه الترمذي وصححه الألباني)، ومعلوم أن هذا عام في حق كل خاطب ومخطوبة.

 ومقتضى كلام أهل العلم هنا أن هذه الحاجة بعينها لو لم تعم البلوى بها "بمعنى احتياج عامة المكلفين لها" لما جاز الترخص بسببها.

وهناك ضابط آخر في مسألة الترخيص في فعل المنهيات من أجل الحاجات، وهي التي يعبر عنها العلماء بقولهم "ما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة"، مما يعني أن المحرمات لذاتها لا تباح إلا للضرورة والمحرمات لغيرها تباح للمصلحة الراجحة (الحاجة) التي عمت بها البلوى،

ومثاله في المنصوص عليه ربا النسيئة، فهو محرم لذاته فلم تلحق به أي رخصة في الشرع إلا أن يتعرض مكلف بعينه إلى حالة ضرورة حينئذ يقدرها أهل العلم بقدرها، وأما ربا الفضل فهو محرم سدا للذريعة لأنه يؤدي إلى ربا النسيئة، فأجاز الشرع بعض صوره وهي بيع العرايا بقيود خاصة لعموم حاجة الفقراء لها ودخل معهم الأغنياء تبعا.

وفي هذه الرخص المباحة للحاجة - سواء المنصوص عليها أو التي توصل إليها بالنظر والاجتهاد- يجب ضبط الحاجة التي علق الشرع عليها الرخصة أو التي أدى النظر إلى اعتبارها، فلا يجوز مثلا أن يمكن الخاطب من رؤية مخطوبة مع غلبة الظن بوجود موانع أخرى من إتمام الخطبة، بل يجب استقصاء هذه الموانع أولا،

ولا يجوز للخاطب أن يطلب تكرار النظر إذا كان قد حسم أمره سلبا أو إيجابا بينما يجوز أن يطلبه إن كان ما زال محتاجا لذلك، ويجوز تمكينه من هذا إن غلب على الظن عدم تلاعبه

 واعلم أن الرخصة متى كان في الأخذ بها ممن لا يستحقها ضرر على غيره أو تفويت مصلحة عامة للأمة اقتضى ذلك مزيد من التثبت في مدى استحقاق المرء لها، ومن ذلك رخصة القعود عن الجهاد متى توسع فيها الناس فأخذ بها من ليس من أهلها كان هذا تضييعا لمصالح الأمة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا)(التوبة:49)،

 ورخصة سؤال الناس، فمتى توسع كل محتاج بأي نوع من الحاجات في سؤال الناس عاد هذا بالجهد على المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا، وهذا أمر نراه واقعا في زماننا، ولذلك حرَّج النبي - صلى الله عليه وسلم- على من جاءا يسألانه وليس عليهما أثر الفاقة فقال: (إن شئتما أعطيتكما ولكن اعلما أنه لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي)(رواه أبوداود وصححه الألباني).

ومن أمثلته في الحج - وهذا مما غفل عنه كثير ممن يتبنون إشاعة الرخص في الحج لمنع الحوادث التي تقع فيه- أن رخصة الدفع من مزدلفة قبل فجر يوم النحر هي رخصة خاصة للضعفاء لكي يسبقوا سائر الحجيج في أعمال يوم النحر بقريب من اثنتي عشرة ساعة يتمكنون فيها من رمي جمرة العقبة الكبرى والذبح والحلق أو التقصير ثم إتيان مكة لطواف الإفاضة، كل هذا دون أن يزاحمهم الأقوياء

 فلما توسع الناس في الأخذ بهذه الرخصة قويهم وضعيفهم ضاع معناها وهضم حق الضعفاء في وقت خصه الشرع لهم دون غيرهم، وكذلك فتح باب التوكيل في رمي الجمار والأصل فيه أنه للضعيف الذي يعجز عن الرمي لا في النهار ولا في الليل فيوكل، فلما توسع المفتون في القول بجواز التوكيل صارت الرحلات الفاخرة تؤجر راميا يذهب ليرمي عن عشرات من الناس وصار هؤلاء الرماة المحترفون يحتلون المواقع المميزة للرمي الأوقات الطويلة محتجزين الحجيج الحقيقيين ورائهم، ورحم الله زمانا كنا نتندر فيه على هؤلاء وعلى من أفتاهم بهذه الفتاوى التي كانت في عرف كل دارس لفقه الكتاب والسنة من الترخص الجافي، فإذا بنا نفاجأ ولأجل حدوث حوادث معظمها راجع إلى قصور بشري في تنظيم توافد الحجيج على الجمرات، ببعض من ينتسب إلى السنة ينادي بفتح باب الرخص على مصراعيه رغم أنه يؤدي إلى ظلم الضعفاء على النحو الذي ذكرنا.

أضف إلى ذلك العسر والمشقة الناجمة عن الإسراف في الرخصة فكم من سائل يسأل بعد رجوعه إلى بلده من أنه قد وكله عدد كذا من الضعفاء فقبل الوكالة ثم تأخر في الرمي فعاد إليهم ينفض يده من هذه الوكالة فلم يجدهم وعاد إلى بلده فعلى من تكون الفدية؟

ومما يقرب من ذلك إهمال كثير من المفتين لبيان الصفات الفضلى في العبادات، مع أن بيانها مطلوب نصيحة لمن أراد الأكمل، ولأنه يمكن أن يكون بابا من أبواب التيسير لا العكس، ومثاله في الحج فضيلة طواف الإفاضة في يوم العيد مع بيان جواز تأخيره، وفضيلة رمي الجمرات بالنهار ورمي جمرات كل يوم في موعده على الرغم من جواز التأخير، فصار كثير ممن يتكلم في هذه المسألة يهمل الترغيب في الحرص على الوجه الأكمل لمن استطاع، على الرغم من أنه لو حرص من لديه القدرة على فعل هذه العبادات أول وقتها لكان ذلك أرفق بغيرهم.

ومن رأى الزحام الشديد على الرمي في الليل لعلم أنه لو وجد الترغيب الكافي في أن يدرك من استطاع الرمي في أول وقته لكان في هذا إفساح المجال لغيرهم بالليل.

فحصل من ذلك أن الرخص الشرعية ثلاث أنواع:

الأول: تخفيف بعض الأحكام على الرغم من قيام مقتضيها وغني عن الذكر أن هذا القسم لا يقاس عليه.

الثاني: رخص الضرورات وبعضها منصوص عليه مع بقاء القاعدة عامة تقبل التطبيق على وقائع أخرى بشرط أهلية المطبق ومعرفته بحدود الضرورة الشرعية.

الثالث: رخص الحاجات وبعضها منصوص عليه، ويمكن القياس عليه بالضوابط المشار إليها آنفا من عموم البلوى وكون حكمة النهي الأصلي كان من باب سد الذرائع.

هذا وقد خلط بعضهم بين مفهوم الرخصة الشرعية وبين تتبع أسهل أقوال العلماء في المسائل الخلافية المعروفة بمسألة تتبع رخص المذاهب،

وحاصل ذلك أن العلماء متى اختلفوا في ترخيص الشارع في مسألة أو عدمه، فما زال الواجب على المكلف أن يجتهد في معرفة حكم الله لا حكم غيره، وكل مكلف بحسب قدرته على فهم الأدلة، فمتى استبان له الدليل أن العالم الذي قال بالرخصة أخطأ أو وهم، فكيف يمكن له أن يترخص برخصة يعلم أن الله لم يأذن بها وأن القائل بها قد أخطأ في نسبة هذا للشرع؟

ومثال ذلك ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة من أن للمرأة أن تزوج نفسها ظنا منه أن الشرع أذن في ذلك، إذ رأى أن الشرع أذن للمرأة أن تتصرف في مالها فألحق به بضعها، وقد تبين لنا بالحديث الصحيح أن الشرع لم يأذن في ذلك بل قال - صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)(رواه أحمد وصححه الألباني)، كما أن قياس الإمام أبي حنيفة - رحمه الله- منتقض بكون الزواج أمرا يخص أولياءها ربما أكثر مما يخصها بخلاف مالها.

ومن رأى ما آل إليه حال الناس في زماننا نتيجة شيوع الزواج بدون ولي "رسميا كان أو عرفيا وإن كان الغالب عليه أن يكون عرفيا" أدرك المغزى الشرعي في ذلك، فهل يمكن لأحد بعد ذلك أن يقول هذه رخصة من الله؟

وإن لم يجرؤ على الزعم أنها رخصة من الله فلا تكون رخصة حينئذ.
وقد بالغ العلماء في الرد على هذا القول حتى قال ابن عبد البر - رحمه الله-: "من أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله"، وقد حكى الخطابي عن بعضهم قوله: "أن الناس لما أجمعوا على تحريم خمر العنب واختلفوا فيما سواه حرمنا ما اتفقوا عليه وأبحنا ما سواه"، فقال الخطابي تعليقا على هذا الكلام: "وهذا خطأ فاحش، وقد أمر الله المتنازعين أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولو لزم ما ذهب إليه هذا القائل للزم مثله في الربا والصرف ونكاح المتعة لأن الأمة اختلفت فيها وليس الاختلاف حجة وإنما السنة حجة المختلفين من الأولين والآخرين" ا.هـ كلام الخطابي فيما نقله عنه الشاطبي في الموافقات في ثنايا رده على القائلين بهذه البدعة

 ثم قال: "وربما استجاز هذا بعضهم في مواطن يدعي فيها الضرورة والحاجة بناء على أن الضرورات تبيح المحظورات فيأخذ عند ذلك ما يوافق الغرض حتى إذا نزلت مسألة لا ضرورة فيها ولا حاجة أخذ بالقول الراجح فهذا أيضا من الطراز المتقدم" ا.هـ مختصرا.

وأما ما ورد عن بعض المحققين من الاستفادة من اختلاف العلماء في مراعاة تغير الزمان والمكان، وهذا يكون في مسائل يسيرة بنيت على الواقع كاختلافهم في أقل الحيض وأكثره مثلا فعلمنا من كلامهم أنهم ردوه إلى الإحصاء الطبي في واقعهم، فكذلك يمكن أن نفعل نحن،

ومن ذلك مسألة هل تحيض الحامل؟
فظاهر الدليل في قوله - صلى الله عليه وسلم- في السبي: (لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة)(رواه أبوداود وصححه الألباني) أن الحامل لا تحيض، ولما وجد بعض الفقهاء أن بعض النساء يذكرن أنهن يحضن وهن حوامل أوَّلوا الحديث، بينما قال بظاهره آخرون.

 ثم جاء الطب الحديث ليؤكد ما دل عليه ظاهر الحديث وأن الدماء التي تنزل على الحامل مع استقرار حملها دم علة وفساد، مما يفرض أخذ هذه المعلومات بعين الاعتبار حين إعادة بحث المسألة.

كما أنه يرد ذلك في المسائل التي مبناها على الاستحسان وهو التردد في قياس فرع على أصلين مختلفين في الحكم، فربما قضى المجتهد بقول في المسألة تغليبا لأحد القياسين، وقضى الأخر بخلافه ثم استجدت أمور ربما تجعل أحدهما يرجع إلى قول الآخر

 ومثاله ما ذكره الجويني من النزاع بين العلماء في جواز أن يتفق الخصمان على الذهاب إلى محكم غير القاضي المعين من الإمام، فقال ما حاصله: "فإذا خلا الزمان عن الإمام وجب أن يكون ما كان مختلفا فيه متفقا عليه وذلك لأن المانعين من الذهاب إلى المحكم حال وجود القاضي الشرعي إنما منعوا من ذلك للافتئات على حقه، وأما مع شغوره فيبقى الأمر بالرد إلى أهل الذكر سالما عن المعارضة".

وأما إطلاق القول به فهو ضرب من تتبع رخص العلماء كما بين الشاطبي.

والحاصل أن باب الرخص لا سيما في الحج هو أكثر الأبواب حاجة للتوسط والقصد والاعتدال، لأنه من أكثر الأبواب التي ينتهي الإفراط في التيسير فيها إلي تعسير من حيث لا ندري. وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم-

2018/08/08

أغسطس 08, 2018

شرح مناسك الحج



شرح مناسك الحج

إذا أمكن وباختصار شرح مناسك الحج كما وردت وثبتت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نرجو أن يكون ذلك منكم؟ جزاكم الله خيراً.

النبي -صلى الله عليه وسلم- وضح للأمة مناسك العمرة ومناسك الحج بفعله وقوله -عليه الصلاة والسلام-، أما العمرة فالمشروع أن يحرم بها من الميقات، ميقات بلده، إذا مرَّ عليه، فإن كان مرَّ على ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت كأهل بحرة أو أهل الشرايع أحرموا من مكانهم بالعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة، ويلبس الإزار والرداء إن كان رجلاً، وإن كان امرأة لبست ما تيسر لها من ثيابها وأحرمت بالعمرة، وتلبي كما يلبي الرجل، فيقولان: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر كل منهم في التلبية حتى يصل إلى مكة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعة أشواط وصلى ركعتين عند المقام، ثم سعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ثم قصَّر أوحلق، هذه العمرة، هذه أنساكها يحرم بها من ميقات بلده إن كان من طريق بلده, وإن جاء من ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت أحرم من مكانه، كبحرة وجدة ونحو ذلك، ثم إذا دخل مكة طاف وسعى وقصَّر -هذه العمرة،- وعليه أن يلبي من ميقات بلده إن كان مر عليه وإلا من الميقات الذي يمر عليه، وعرفت أنه إذا كان دون الميقات فهي من مكانه (من بحرة)، يحرم من مكانه ويقول: اللهم لبيك عمرة، ثم يلبي التلبية الشرعية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر يلبي في طريقه حتى يصل إلى مكة فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصَّر، وتمت العمرة. والطواف: هو أن يدور حول الكعبة سبعة أشواط، من الحجر إلى الحجر، من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود يذكر الله أو يقرأ القرآن أو يدعو هذا هو السنة، فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام, يقرأ فيهما بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون في الأولى وقل هو الله أحد في الثانية هذا هو الأفضل، ثم بعد ذلك يتوجه إلى الصفا ويسعى سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، سبعة أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصر والحلق أفضل، إذا كان الوقت بعيداً عن الحج, فالحلق أفضل، أما إذا كانت العمرة قريبة من الحج، وهو يريد أن يحج فإنه يكتفي بالتقصير هذا أفضل، أدّى العمرة مثلاً في أول ذي الحجة وهو يريد أن يحج فمن الأفضل أن يقصر حتى يبقى على الحلق للحج. والحج مثل ذلك –إذا أراد الحج- يحرم من ميقاته إن كان مرَّ عليه، أو من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون ذلك أحرم من محله، مثل بحرة ونحوها بالحج، يقول: لبيك حجة، ويشرع في التلبية الشرعية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويحرم في إزار ورداء هذا هو الأفضل، إزار ورداء أبيضين يعقد الإزار عليه والرداء يجعله على كتفيه ويطوف, وإذا كان في طواف القدوم -الطواف الأول- جعل الرداء تحت إبطه، يعني وضعه تحت إبطه وجعل أطرافه على عاتقه الأيسر ويسمى الاضبطاع، في الطواف الأول هذا هو الأفضل في السبعة أشواط يضطبع، يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر ويطوف سبعة أشواط، طواف القدوم، ويرمُل في الشوط الأول والثاني والثالث، يعني يركض فيه (يسمى الخبب) -بين المشي وبين ــ القوي- خبب، في الثلاثة الأشواط الأولى في الحج والعمرة جميعاً؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- رمل في هذه الأشواط الثلاثة الأول والثاني والثالث، يعني أسرع مع مقاربة الخُطى، ويمشي في الأربعة الأخيرة في طواف العمرة وطواف القدوم طواف القدوم، ثم يسعى بين الصفا والمروة -كما فعل في العمرة- يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ويبدأ من الصفا ويختم بالمروة، سبعة أشوط يدعو فيها ويذكر الله جل وعلا على الصفا وعلى المروة, يذكر الله جل وعلا، ويدعو بما تيسر من الدعاء، فإن الدعاء مطلوب ـــ فيدعو الله بالطريقة التي يعرفها ويفهمها، ثم بعد ذلك إذا طاف وسعى وقصر أوحلق فإنه يتحلل، يكون حينئذ أدى عمرة وتمتع بها إلى الحج، ثم يحرم بالحج يوم الثامن مع الناس من مكانه من منـزله يقول: اللهم لبيك حجة ويحرم بإزار ورداء كما فعل في الميقات ثم بعد ذلك يتوجه إلى منى فيقيم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يعني يصلي بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، ويصلي بها الصبح، ثم يقيم ما شاء الله، ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بدون جمع كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي بها الفجر مع سنتها ركعتين، فإذا طلعت الشمس توجه ملبياً أو مكبراً إلى عرفة والتلبية أفضل، وإن كبر في الطريق فلا بأس، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك الملبي يلبي والمهل يهل، فإن كبر أو سبح أو نحوه فلا بأس، وإن اقتصر على التلبية فالتلبية أفضل، هذا عمله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع؛ لأنه حج قارناً، فلما طاف وسعى بقي على إحرامه لم يحل طاف ورمل في الطواف في الأشواط الثلاثة، ومشى في الأربعة واضبطع -عليه الصلاة والسلام- في طواف القدوم وجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر واستمرَّ مضطبعاً حتى كمل الطواف، هذا هو السنة، وبقي على إحرامه لم يتحلل؛ لأنه معه الهدي -قد أهدى- والمهدي لا يتحلل, يبقى على إحرامه يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه ويضبطع في طواف القدوم كما سبق في العمرة والحج جميعاً يضبطع في جعْل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر، أما الرمل فهو في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، وهو المسارعة في المشي مع تقارب الخطا، يعني: يخُب حتى يكمله, والسنة أنه يستلم الحجر الأسود ويقبله في كل شوط، يبدأ به أولاً، فيستلمه بيده ويقبله كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول عند ذلك الله أكبر، عندما يستلم الحجر، يقول: الله أكبر، أو بسم الله، والله أكبر، فإن عجز عن التقبيل استمله بيده وقبل يده أو بعصا وقبل طرفها فإن عجز كبر وإن لم يستلم شيئاً, كبر وأشار إليه فقط, كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتقوا الله ما استطعتم, وهو سنة, التقبيل والاستلام والتسليم كله سنة ليس بفريضة لكن إذا تيسر له أن يقبله ويستمله استلمه بيده اليمنى وقبله وكبر فإن عجز استلمه بيده وقبلها أو بعصا وقبلها وكبر، حتى يكمل الطواف -في كل شوط-، ثم بعد ما يقف بعرفات بعد الزوال يوم عرفة الناس يجتمعون في عرفات ويقفون بها يعني يجلسون فيها ذاكرين مهللين داعين مستغفرين الذي في خيمته والذي خارج خيمته يدعون الله ويضرعون إليه حتى تغيب الشمس وهم في عرفات -في دعاء وذكر وقراءة قرآن يرفع يديه ويدعو كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحى ويميت وهو على كل شيء قدير". فالدعاء في يوم عرفة مشروع ويُكثَر من الذكر، مشروع كما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأفضل أن يقف راكباً على مطيته أو سيارته فإن جلس في الأرض فلا بأس في خيمته أو تحت شجرة فلا حرج وذلك بعدما يصلي الجمع تذهب إلى عرفات بعدما يصلون الجمع الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين يصلونها بعد الزوال مباشرة كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، يصلون الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين, ثم يتوجه الحجاج إلى عرفة فيلزم كل حاج ..... بعرفة لا يخرج عن عرفة حتى تغيب الشمس, وإن خرج ورجع فلا بأس، خرج إلى حاجاته ثم رجع إلى عرفات قبل غروب الشمس فلا بأس، المهم أن يبقى فيها جزءاً من النهار إلى غروب الشمس، بهذا يؤدي الواجب، ولكن إذا وقف بعد صلاة الجمع واستمر وصبر على طول الوقوف كان أفضل وأكمل. والسنة –أيضاً- لمن كان في عرفات أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن والدعاء رافعاً يديه حتى تغيب الشمس سواء كان على الأرض أو على السيارة أو على المطية يكثر من الذكر كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه بقي على الدابّه حتى غابت الشمس يذكر الله ويحمده سبحانه وتعالى. والحكم واحد بحق الرجال والنساء، ثم ينصرف الجميع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ملبين ويصلون بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً للعشاء القصر والجمع المغرب ثلاثاً والعشاء ثنتين، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذان واحد وإقامتين، -المغرب لا تقصر، يصليها ثلاثاً ثم يصلي العشاء ثنتين سواء وصل مبكراً أو متأخراً إن وصل مبكراً فلا بأس، وإن وصل متأخراً فلا بأس، يجمع بين المغرب والعشاء متى وصل إلى مزدلفة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، قد جاء في حديث أسامة أنهم لما صلوا المغرب أمرهم فأناخوا رواحهم ثم صلى العشاء، ومن ينيخ راحتله بعد المغرب لا يضر، أما وضع الفرش وطرحها من ظهور الدواب أومن السيارات هذا يكون بعد ذلك، يكون بعد الصلاة، يبدأون بالصلاة، كما بدأ بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، يبدأون بالمغرب والعشاء، قصراً وجمعاً سواء جاؤوا مزدلفة مبكرين أو متأخرين، فيصلون المغرب والعشاء ثم بعد هذا ينظرون في حط رواحهم والنظر في حاجاتهم وطعامهم ونحو ذلك. - بالمناسبة لو تكرمتم -سماحة الشيخ- فيما إذا وصلوا إلى مزدلفة متأخرين بعض الشيء هل ينتظرون دخول وقت صلاة العشاء أم يبدأون حينما يصلون؟ ج/ من حين يصلون ولو في وقت المغرب، من حين يصلون ولو في وقت المغرب، يُصلُّون المغرب والعشاء جمعاً وقصراً؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما قال للناس: من جاء قبل العشاء فلا يجمع، ترك الناس، منهم العجل الذي ..... بنفسه، ومنهم البطيء، لكن لو تأخر في الطريق مثل الزحمة وغيرها، ليس له أن يؤخر إلى بعد نصف الليل, يصليها في الطريق لو زحم أو تعطلت سيارته لا يؤخر إلى مزدلفة, يصلي في الوقت الذي قبل نصف الليل ولو في الطريق، أما أن يؤخر حتى يصل مزدلفة إذا كان سليماً أما إذا زحم أو تعطلت سيارته فليس له التأخير إلى بعد نصف الليل، لأن وقت العشاء إلى نصف الليل، بل يصلي الطريق. - إنما يبدأ حينما يصل إلى مزدلفة يبدأ مباشرة بالصلاة؟ ولا يؤخرها إلى وقت العشاء؟ ج/نعم، لا يؤخرها ولا إلى حط الرحال. وبعد هذا كله...-صلى الله عليه وسلم- انصرف من مزدلفة بات فيها تلك الليلة ثم صلى بها الفجر ثم ذكر الله عند المشعر، ذكره كثيراً حتى أسفر والمسلمون معه مستقبل القبلة، فلما أسفر انصرف إلى مكة، وأقام في منى، -عليه الصلاة والسلام- يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يقصر ولا يجمع، يصلي الظهر في وقتها والعصر في وقتها والعشاء في وقتها والمغرب في وقتها هذا هو الأفضل، لأنه مستريح ليس عنده زحمة ودخل ضحوة يوم العيد بعدما رمى الجمرة وطاف عليه الصلاة والسلام، لأنه عليه طواف، لأنه قارن قد طاف وسعى قبل ذلك ما بقي عليه إلا الطواف فلما رمى الجمرة يوم العيد ونصح الناس ووعظهم دخل بعدما حلق وطيبته عائشة وطاف طواف الإفاضة يوم العيد، قام يوم العيد ثم حلق ووزع شعره على الصحابة ثم طيبته عائشة ثم نزل إلى مكة -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه بعد الطواف وبعد الرمي والحلق، يتحلل بالطيب ويتأخر الطواف، لأنه لما رمى وحلق صار متحللاً التحلل الأول، وبهذا طيبته عائشة -رضي الله عنها- ثم توجه إلى مكة وطاف طواف الإفاضة فلم يسع؛ لأنه قارن والقارن كالمفرد يجزئه سعي واحد, وقد سعى عند طواف القدوم فأجرأه ذلك، فمن فعل فعله -صلى الله عليه وسلم- فقد أصاب السنة، إذا جاء يوم العيد ورمى الجمرة بسبع حصيات -جمرة العقبة- وحلق أو قصر فقد أصاب النسك، وإن كان عنده هدي ذبحه بعد الرمي، ينحر هديه بعد الرمي، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، يرمي الجمرة ثم ينحر ثم يحلق أويقصر والحلق أفضل ثم يتطيب ويتحلل ثم يذهب إلى مكة للسعي سواء كان السعي عن تمتع أو قران أو إفراد, لكن إن كان قد سعى مع طواف القدوم أجزأه في القران وفي الإفراد، ويبقى عليه سعي التمتع إذا كان متمتعاً، أما إذا كان ما سعى مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة في يوم العيد أو بعده لأن الرسول طاف طواف الإفاضة ولم يسع لأنه قد سعى قبل ذلك، وعائشة لما كانت لم تسع بسبب الحيض أمرها بالطواف والسعي يوم العيد، وهكذا كل إنسان أحرم بالحج أو بالقران ولم يسع مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة يوم العيد أو بعده، وأما المتمتع فلا بد من سعيه بعد طواف الإفاضة؛ لأنه أفرد العمرة أولاً وانتهى منها ثم أحرم بالحج فصار كل واحد على حدة، فالعمرة لها طوافها وسعيها والحج له طواف وسعيه. ومن تمامه أنه رمى الجمار أيضاً في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، على سبع سبع بعد الزوال يرمي الجمار الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات بعد الزوال يكبر مع كل حصاة، يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأنه لم يتعجل -عليه الصلاة والسلام- بل كان يكبر مع كل حصاة ودعا عند الأولى، جعلها يسار ووقف ـــ يدعو طويلاً ثم ذهب إلى الوسطى ورماها بسبع حصيات ثم جعلها عن يمنيه وــ وجعل يدعو، ثم رمى جمرة العقبة ولم يقف عندها, بل رماها وانصرف دل ذلك على أنه في رمي الجمار يقف عند الأولى والثانية يدعو ربه يطيل بالدعاء بعد الرمي، أما الثالثة فلا يقف عندها -يعني في الحادي عشر والثاني وهكذا في الثالث عشر إذا لم يتعجل، إذا لم يتعجل فإنه أيضاً يرمي بعد الزوال، يوم الثالث عشر ويكمل حجه برمي الجمار الثلاث ويكبر مع كل حصاة مثلما فعل في الحادي عشر والثاني عشر، لكن المتعجل ينصرف يوم الثاني عشر بعد الرمي يعني ينفذ إلى مكة بعد الرمي يوم الثاني عشر بعد الزوال، لأنه في هذه الحالة قد انتهى من الجمار، بعد أن تمتع، يتوجه إلى مكة ويقيم بها أو يطوف طواف الوداع ويسافر أما من أقام في منى ليلة ثلاثة عشر ولم يعجل، فإنه يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال، كما رماها في الحادي عشر والثاني وبذلك انتهى وقت الرمي، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع إذا كان طاف الحج في القران فإنه يبقى عليه طواف الوداع؛ لأن طواف الإفاضة قد أداه في يوم العيد.
الشيخ ابن باز رحمه الله