نظم رسالة ابي زيد القيرواني
الحمـدُ لله حمـداً ليـس مُنحصرا *** علـى أياديـه مـا يخفى
وما ظهرَا
ثم
الصـلاةُ وتسليمُ المهمـينِ مـا *** هـبَّ الصبَّـا فأدرَّ العـارضَ المَطرَا
على
الذي شـاد بنيانَ الهُدى فسَما *** وسـاد كلَّ الَورَى فخـراً ومـا افتخرَا
نبيِّنـا
أحمـد الهـادي وعَتْرتـه *** وصحبِـه كلِّ مَن آوى ومـن نصـرَا
بعدُ
فالعلـمُ لم يظفـر بـه أحـدٌ *** إلاَّ سَمَـا وبأسبـاب العُلـى ظفـرَا
لا
سيـما أصـل علم الدِّين إنّ َ به *** سعـادةَ العبـد والمنْجَى إذا حُشـرَا
باب
ما تعتقدُه القلوب وتنطق به الألسن من واجب أمور الديانات
وأولُ
الفـرض إيـمانُ الفـؤاد كذا *** نُطـقُ اللِّسـانِ بما في الذِّكر قد سُطرَا
أنَّ
الإلـهَ إلـهٌ واحـدٌ صَمـد *** فـلا إلـه سـوى مَـن للأنام بـرَا
ربُّ
السموات والأرضين ليس لنـا *** ربٌّ سـواه تعـالى مَـن لنـا فطـرَا
وأنـهُ
موجـدُ الأشيـاء أجمعهـا *** بـلا شريـك ولا عـَونْ ولا وُزرَا
وهـو
المـُنزه عـن ولـد وصاحبة *** ووالـد وعـن الأشبـاه والنُّظـرَا
لا
يبلغـن كُنْه وصفـة الله واصفـُه *** ولا يحيـط بـه علـماً مَن افتكـرَا
وأنــَّه
أوَّل بـاق فليـس لـه *** بـدءٌ ولا منتهـى سبحـان من قدرَا
حـيٌّ
عليـم ٌ قديـرٌ والكـلام له *** فرد ٌ سميـعٌ بصـيرٌ ما أراد جـرَى
وأنَّ
كرسـيـَّه قــد وسـعـَا *** كلَّ السمـوات والأرضـين إذ كـبرَا
ولم
يـزل فوق ذاك العـرش خالقُنا *** بذاتـه فاسـأل الوحـيين والفـطرَا
إنَّ
العـلوَّ بـه الأخبارُ قد وردتْ *** عـن الرَّسـول فتابِع مَـن رَوى وقرَا
فالله
حق على المُلك احتوى وعلى الـ *** ـعرش استوى وعن التكييف كُن حَذِرَا
والله
بالعلـمِ في كـلِّ الأماكـن لا *** يخفـاه شـيءٌ سميـعٌ شـاهدٌ ويرَى
وأنَّ
أوصافَـه ليسـت بمُحدَثـة *** كـذاك أسمـاؤه الحُسـنى لِمَـن ذكرَا
وأن
تنـْزيلَـه القـرآنَ أجمعَـه *** كلامُـه غيرُ خلـق أعـجـز البشـرَا
وحْـيٌ
تكـلّـَم مولانا القديمُ بـه *** ولم يـزل مـن صفـات الله مُعْتـبرَا
يُتلَـى
ويُحمل حفظاً في الصدور كما *** بالحـظِّ يُثبِتُه فـي الصُّحـف مَن زَبَرَا
وأن
موسـى كليمُ الله كلَّمـه *** إلهـهُ فـوق ذاك الطـور إذ حضـرَا
فالله
أسمعـه مـِن غـير واسطـة *** مـن وصفـه كلمـات تحتـوي عِبـرَا
حتى إذا
هـام سُكـراً في محبَّتـه *** قال الكليـم : إلَهـي أسـأل النَّظـرَا
إليـك .
قال له الرحمـن موعظة *** أنَّـي تـرانِي ونـوري يُدهـشُ البصرَا
فانظر
إلى الطور إن يثبت مكانته *** إذا رأى بعضَ أنـواري فسوف ترَى
حـتى
إذا تَجلى ذو الجـلال له *** تصدَّع الطورُ من خَوف وما اصطبرَا
فصل
في الإيمان بالقدر خيره وشرِّه
وبالقضـاء
و بالأقـدار أجمعهـا *** إيمانُنـا واجـبٌ شرعـاً كمـا ذكـرَا
فكـلُّ
شـيء قضـاه الله من أزَل *** طرًّا وفي لوحـه المحفـوظ قد سطرَا
وكلُّ
ما كان من همٍّ و من فَرح *** ومـن ضلال و من شكران مَن شكرَا
فـإنَّـه
مـن قضـاء الله قـدَّره *** فـلا تكـن أنـت مِمَّن ينكـر القدرَا
والله
خالقُ أفعـال العبـاد و مـا *** يجـري عليهـم فعـن أمر الإلَه جرَا
ففـي
يديـه مقاديـر الأمـور و عن *** قضائه كلُّ شيء في الورى صدرَا
فمَن
هَدى فبمحض الفضل وفَّقه *** و من أضلَّ بعدل منه قد كفـرَا
فليـس
في مُلكه شيءٌ يكون سوى *** مـا شاءه الله نفعـاً كـان أو ضررَا
فضلٌ
في عذاب القبر وفتنته
و ل م
تَمُــت قطُّ من نفس وما قُتلت *** مـن قبـل إكمالها الرِّزق الذي قُدرَا
وكـلُّ
روح رسـولُ الموت يقبضُها *** بــإذن مـولاه إذ تستكمـل العُمُرَا
وكـلُّ
من مـات مسئـولٌ ومفتتنٌ *** مـن حـين يـوضعُ مقـبرواً ليُختـبرَا
و أنَّ
أرواحَ أصحـاب السعـادة في *** جنَّـات عدن كـطير يعـلق الشَّجَرَا
لكنَّمـا
الشُّهـَدا أحيا و أنفسهـم *** في جـوف طير حسان تُعجب النَّظَرَا
وأنَّها
في جنان الخلـد سـارحةٌ *** مـن كـلِّ ما تشتهي تجني بها الثَّمرَا
وأنَّ
أرواح من يشـقى مـعذَّبةٌ *** حتَّـى تـكون مـع الجُثمـان في سَقَرَا
وأنَّ
نفــخةَ إسـرافيـلَ ثانيـة *** في الصُّـور حـقٌّ فيـحيى كلُّ مَن قُبرَا
كما بدا
خلقهم ربِّي يُعيـدُهـم *** سبحان من أنشأ الأرواحُ و الصُّوَرَا
حـتى
إذا ما دعا للجمع صارخُه *** و كلُّ ميْت من الأموات قد نُشرَا
قـال
الإلَه : قِفـوهم للسؤال لكي *** يقتـصَّ مظلُـومُهم مِـمَّن له قَهَرَا
فيوقَفـون
ألـوفـاً مـن سنـينهـمُ *** والشمـسُ دانيـةٌ والرَّشْحُ قـد كثُرَا
وجـاء
ربُّك و الأمـلاكُ قـاطبـة *** لهـم صفـوفٌ أحاطـت بالورى زُمرَا
وجيء
يومئــذ بالنـار تسحبُـها *** خزانهـا فأهـالـت كـلَّ مَن نظرَا
لها
زفيرٌ شديدٌ من تغيظها *** على العُصاة وترمي نحوهم شرَرَا
ويرسل
الله صُحف الخلق حاويةً *** أعمالَهم كلَّ شيء جلَّ أو صغُرَا
فمَن
تلقَّته باليمنى صحيفتُه *** فهْو السَّعيد الذي بالفوز قد ظفرَا
ومن يكن
باليد اليسرى تناوُلها *** دعا ثُبوراً وللنيران قد حُشرَا
ووزنُ
أعمالهم حقٌّ فإن ثقلت *** بالخير فاز وإن خفَّت فقد خسرَا
وأنَّ
بالمثل تُجزى السيَّئات كما *** يكون في الحسنات الضِّعف قد وفرَا
وكلُّ
ذنب سوى الإشراكِ يغفرُه *** ربِّي لِمَن شا وليس الشركُ مُغتفرَا
وجنَّة
الخُلد لا تفنى وساكنُها *** مخَّلدٌ ليس يخشى الموتَ والكبرَا
أعدهَّا
اللهُ داراً للخلود لِمَن *** يخشى الإلَهَ وللنَّعماء شمسَ الظهر والقمرَا
كذلك
النارُ لا تفنى وساكنُها *** أعدهَّا الله مولانا لمَن كفرَا
ولا
يخلد مَن يوَحِّدُه *** ولو بسفك دم المعصوم قد فَجَرَا
وكم
يُنجي إلَهي بالشفاعة مِنْ *** خير البريِّة من عاص بِها سجرًا
فصل
في الإيمان بالحوض
وأنَّ
للمصطفى حوضاً مسافتُه *** ما بين صَنْعَا وبُصرَى هكذا ذكرَا
أحلَى
من العصل الصافي مذاقتُه *** وأنَّ كِيزَانَه مثلُ النجوم تُرَى
ولم
يَرِدْه سوى أتباع سُنَّته *** سيماهم : أن يُرى التَّحجيل والغُرَرَا
وكم
يُنحَّى ويُنفَى كلُّ مبتدع *** عن وِرْدِه ورجالٌ أحدثوا الغيرَا
وأن
جسراً على النِّيران يَعبُرُه *** بسرعة مَن لمنهاجِ الهُدى عبَرَا
وأنَّ
إيْمَانَنا شرعاً حقيقتُه *** قصدٌ وقولٌ وفعلٌ للذي أمرَا
وأنَّ
معصيةَ الرحْمن تُنقصُه *** كما يزيد بطاعات الذي شَكَرَا
وأنَّ
طاعةَ أولي الأمر واجبةٌ *** من الهُداة نجوم العلم والأُمرَا
إلاَّ
إذا أمروا يوماً بمعصية *** من المعاصي فيُلغى أمرهم هَدَرَا
وأنَّ
أفضلَ قرن للَّذين رأوا *** نبيَّنا وبهم دينُ الهُدى نُصرَا
أعِني
الصحابةَ رُهبانٌ بليلهمُ *** وفي النهار لدى الهّيْجَا لُيوث شَرَى
وخيرُهم
مَن ولِي منهم خلافته *** والسَّبق في الفضل للصِّدِّيق معْ عُمَرَا
والتابعون
بإحسان لهم وكذا *** أتباع أتباعهم مِمَّن قفى الأثَرَا
وواجبٌ
ذِكرُ كلّ من صحابته *** بالخير والكفُّ عمَّا بينهم شَجَرَا
فلا
تخُض في حروب بينهم وقعت *** عن اجتهاد وكنْ إن خُضتَ معتذِرَا
والاقتداءُ
بهم في الدِّين مفتَرَضٌ ** فاقَتد بهم واتَّبع الآثار والسُّوَرَا
وتركُ
ما أحدثه المُحدِثون فكم *** ضلالة تبعت والدِّين قد هُجِرَا
إنْ
الهُدى ما هدى الهادي إليه وما *** به الكتاب كتاب الله قد أمَرَا
فلا
مراء وما في الدِّين من جدلِ *** وهل يُجادل إلاَّ كلُّ مَن كفرَِا
فهاك في
مذهب الأسلاف قافيةً *** نظماً بديعاً وجيزَ اللَّفظ مختصرًا
يحوي
مهمّات باب في العقيدة من *** رسالة ابن أبي زيد الذي اشتهرَا
والحمد
لله مولانا ونسأله *** غفران ما قلَّ من ذنب وما كثرَا
ثمَّ
الصلاةُ على مَن عمَّ بعثته *** فأنذر الثَّقلين الجنّ والبَشَرَا
ودينُه
نَسَخ الأديانَ أجمَعَها *** وليس يُنْسَخُ ما دام الصَّفَا وحرَا
محمد
خير كلِّ العالَمين *** ختم النبيِّين والرُّسل الكرام جَرَا
وليس من
بعده يوحَى إلى أحد *** ومن أجاز فحَلَّ قتلُه هَدَرَا
والآلُ
والصَّحبُ ما ناحت على فنَن *** وَرْقَا ومَا غرَّدت قُمْريّة سَحَرَا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
في انتظار نصائحكم لتطوير هذه المدونة