السؤال
ما هي الضرورات التي تجيز القرض الربوي؟.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد.....
اعلم أن الربا من المحرَّمات القطعية في الشرع ، وهو من كبائر الذنوب .
قال الله تعالى : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155].
وقال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62.
فالواجب على المسلم إذا وقع في كرب أو ضرورة أن يلجأ إلى الله عز وجل بصدق، وأن يسأله تعالى أن يفرج عنه الكروب، ويقضي عنه الديون، وأن يرزقه من فضله العظيم. وليعلم أن الخلاص بتقوى الله تعالى.
قال الله سبحانه: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق /2-3.
وأما الاقتراض من بنك ربوي لسداد الديون، بحجة أن هذه ضرورة، فهذ الكلام يحتاج إلى تدقيق، لأن الرِّبا إثمٌ كبير، وأمرٌ خطير، وتحريمه قاطع لا شك فيه، والله تعالى لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه،
و لكن المحرَّمات في الشريعة يجوز فعلها إذا كان المسلم معذوراً بالإكراه أو الاضطرار .
قال الله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/173 ، وقال تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119 .
وننبه هنا إلى ثلاثة أمور :
الأول : أن الضرورة في باب الربا متعلقة بالمقترض ، لا بالمقرض ؛ إذ ليس هناك ما يجعل المقرض مضطراً لأن يقرِض بالربا ، بخلاف المحتاج للقرض فإنه قد تُغلق الأبواب في وجهه فلا يجد إلا باب القرض بفائدة ربوية .
وفي فتوى " مجمع البحوث الإسلامية " بالقاهرة في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385 هـ ( مايو 1965م ) قالوا :
"والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي ، وما يسمى بالقرض الإنتاجي ( الاستغلالي ) ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام ، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورة ، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 167 ) :
أنه يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة ، "فيأثم المقرض دون المقترض" انتهى .
الثاني : أن المقترض بالربا لا بدَّ أن يكون الدافع لفعله المحرَّم هذا هو الضرورة ، وليست الحاجة التي يمكنه التخلي عنها ، وعدم فعلها ، والضرورة تتعلق بضرر يقع على دينه أو بدنه أو عقله أو عرضه أو ماله – وهي ما يسمى " الضرورات الخمس " - ، وليست هي المشقة التي يمكن تحملها ، بل هي الضرورة التي قد تسبب له هلاكاً ، أو تلفاً لبعض أعضائه ، أو سجناً طويلاً ، أو مرضاً مزمناً .
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله :
فالضرورة : بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل ، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات ، أو تلف منه عضو ، وهذا يبيح تناول المحرم .
والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرَّم .
" المنثور في القواعد " ( 2 / 319 ) .
وفي " نظرية الضرورة الشرعية " ( ص 67 ، 68 ) :
"الضرورة : هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر ، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام ، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع " انتهى .
الثالث : يجب أن يكون الضرر الذي سيلحقك في حال عدم الدفع يقينيّاً أو بغلبة الظن ، ولا ينبغي أن يكون خياليّاً أو متوهماً .
وقد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا ، فجعلوا شراء بيتٍ ، أو سيارة ، أو تغيير أثاث البيت ، أو شراء جهاز خلوي من الضرورات ، فتعاملوا مع مؤسسات الربا بمثل هذا العذر ، وقد وجدوا من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء !
كما لم يفهم كثيرون معنى الضرورة ، فراحوا يبحثون عن البنوك والمؤسسات الربوية من أجل الاقتراض بفائدة ربوية ، دون أن يكون منهم بحث عن طرق مباحة يتحصلون فيها على الأموال اللازمة ، ومن الطرق التي أباحتها الشريعة في الحصول على المال لعادمه : العمل المباح ، والاستدانة من شخص دون ربا ، وشراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً ، وليُعلم أن كثيراً من هؤلاء قد يكون لهم الحق في الزكاة ، فلا بأس من طلبهم ذلك من المؤسسات التي تقوم على جمع زكاة المسلمين
والله تعالي أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
في انتظار نصائحكم لتطوير هذه المدونة