(( التسويق الشبكي وحكمه الشرعي )) - عالم الإبداع

مدونة عامة في كل المجالات

أهم المواضيع

2017/11/11

(( التسويق الشبكي وحكمه الشرعي ))

التسويق الشبكي وحكمه الشرعي


             (( التسويق الشبكي وحكمه الشرعي ))

                         خدعة اسمها التسويق الشبكي

                                 بقلم/ شحاتة صقر

في ظل جهل الكثيرين بالشرع ينفُذُ مُروِّجو التسوق الشبكي إلى عقول  المسلمين، يستنزفون أموالهم  ويوقِعونهم فيما حرم الله تعالى، مستغلين حاجة  بعضهم للمال أو طمعهم واستشرافهم للمكسب السريع، ويستخدم هؤلاء المخادعون أو المخدوعون كل ما أوتوا من وسائل الإقناع والتضليل والتزييف للحقائق عبر مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وعبر التواصل المباشر مع الناس.
وهذا الأمر قد شاع بين كثير من فئات المجتمع، حيث يظن الغني أنه سيزداد به ثراءً، ويظن الفقير عندما يبيع ذهب زوجته أو قيراطًا من أرضه التي يقتات منها ويشترك معهم أنه سيخرج من دائرة الفقر ويدخل دائرة الثراء من أوسع أبوابها، ولـمَّـا رأيتُ كثرة الاستفسار في هذا الموضوع وسمعتُ بنفسي كثيرًا من القصص الواقعية لمن وقعوا في حبائل هؤلاء المخادعين أو المخدوعين وخسروا الكثير من أموالهم بعد أن عرفوا حقيقة ذلك السراب الخادع، وجدتُ أنه لا بد من تحذير المسلمين من هؤلاء بنقل كلام أهل العلم في هذا الأمر بأسلوب ميَسَّر إعذارًا إلى الله تعالى، ولعل بعضهم يعود إلى رشده فيبتعد عن أكل أموال الناس بالباطل.
إن شركات التسويق الهرمي أو الشبكي يتلخص عملها في إقناع الشخص بشراء سلعة على أن يقوم بإقناع آخرين بالشراء، ليقنع هؤلاء آخرين أيضًا بالشراء وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات كبيرة، وكل مشترك يقنع من بعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين جدد يتبعونه في قائمة الأعضاء.
فالشركة تجتذب شخصًا لشراء سلعة معينة - ساعة أو فلتر مثلًا - بسعر عالٍ جدًا قد يصل إلى أكثر من عشرة أضعاف قيمتها الحقيقية، وتَعِده الشركة بأنه سيحصل على نسبة من كل مشترٍ يقوم بشراء نفس السلعة من خلاله، فيقوم هو بإقناع شخص آخر بشراء نفس السلعة، وهكذا تتشكل سلسلة أو شبكة من عمليات الشراء، وكل من في تلك السلسلة يعتقد أنه سيحقق أرباحًا طائلة نتيجةَ نجاحه في اجتذاب عدد كبير من الأشخاص.  أما بالنسبة للشركة منتجة تلك الساعة أو ذاك الفلتر، فالأموال تتدفق إلى حسابها. ويتحول المسلمون - بدافع الربح والحصول على العمولات - إلى خدم لهذه الشركة.
وخلاصة كلام أهل العلم الثقات في التسوق الشبكي أنه محرَّم، وذلك أن المقصود من المعاملة هو العمولات وليس المنتج، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل ثمن السلعة، فالسلعة الذي تسوِّقها هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرَّمةٌ شرعًا لأمور:
أولًا: أنها تضمنت الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترِك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والسلعة التي تبيعها الشركة على العميل ما هي إلا ستار للمبادلة، فهي غير مقصودة للمشترك، فلا تأثير لها في الحكم.
ثانيًا: أنها من الغَرَر المحرم شرعًا، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.
ثالثًا: ما اشتملَتْ عليه هذه المعاملة مِن أكْل الشركات لأموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة ومَن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خداع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (النساء:29).
رابعًا: ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار السلعة وكأنها هي المقصود من المعاملة والحالُ خلافُ ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا من الغش المحرم شرعًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» (رواه مسلم).
وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقدٌ يحصل السمسار بموجبه على أجر مقابل بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفعُ الأجرَ لتسويق السلعة، كما أن السمسرة مقصودُها تسويق السلعة حقيقةً، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس السلعة، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمن يُسوِّق لمن يُسوِّق، وهكذا بخلاف السمسرة التي يُسوِّق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقةً، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو افترضنا جدلًا أن هذا صحيح فليس كل هبةٍ جائزةً شرعًا، فالهبة على القرض ربا، والهبة تأخذ حكم السبب الذي وُجِدَتْ لأجله، وهذه العمولات إنما وُجِدَتْ لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أُعطِيَتْ من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغيّر ذلك من حقيقتها وحكمها شيئًا.
ومن شبهات المروجين للتسويق الشبكي أو ألاعيبهم لخداع البسطاء أنهم يقولون إنهم يخدمون المشتري ويوفّرون عليه ما قد يأخذه موزعو الجملة وموزعو التجزئة وبالتالي تصل إليه السلعة أرخص من ثمنها لو بيعت في المحلات، ويزعمون أن السلع التي يخدعون الناس ويبيعونها بأضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية إنما هي سلع فائقة الجودة، وكل هذا الكلام باطل، والحقيقة خلاف ذلك.
فلو كانت السلعة فائقة الجودة حقًّا لكانت معروضة في الأسواق لكل الناس، وعدم وجودها في السوق وعدم قدرتها على منافسة غيرها يثير علامات استفهام كثيرة حول جودتها وقيمتها الفعلية ويثير الشكوك فيمن يسوّقون لها.
ولو كان التسويق حقًّا يتم عن طريق البيع المباشر لكان بإمكان أي شخص أن يشتري من تلك الشركة مباشرةً عن طريق الإنترنت أو غيره، ولكن ما يتم عكس ذلك، فالمشتري لا بد أن يكون جزءًا من سلسلة من المشترين، ويحصل كل مَن فوقه في الهرم على نسبة من العمولة. ولك أن تتخيل سلعةً يشتريها الشخص بألف دولار مثلًا، وكل من فوقه في الهرم الذين قد يصل عددهم إلى المائة قد أخذوا عمولة على هذه السلعة، فلو أخذ كل واحد منهم عشرة دولارات فقط رغم أنهم يأخذون أكثر من ذلك، فمن أين جاءت كل هذه الدولارات؟!!
وهذا يدلك على أن الثمن الذي تباع به السلعة أكبر بكثير من قيمتها الحقيقية، وأن الأمر في النهاية أن كل من اشترى سلعة بعشرين ألفًا مثلًا، وهي في الحقيقة قد لا تساوي الألف، يريد أن يعوِّض خسارته بإقناع غيرِه بأن يشرب من  نفس الكأس المر، وهكذا تستمر سلسلةُ الخداع الشبكي في أكل أموال الناس بالباطل. وبهذا يُعلَمُ أن هذه الدولارات إنما جاءت من جيوب الغلابة المخدوعين!!!

وهذا التسويق الشبكي له تأثير سلبيٌّ وخطير على اقتصاد البلاد فكلما زاد عدد المخدوعين به كلما زاد إنفاق  الناس لدولاراتهم في شراء سلع في الغالب لا يحتاجونها في الحقيقة ويشترونها بأضعاف أضعاف قيمتها، وهكذا تذهب العملة الصعبة هباءً منثورًا.
وفي الختام ينبغي على المسلم أن يحْذَر من المشاركة في تلك الخدعة الكبرى المسماة بالتسوُّق الشبكي، وعليه أن يحَذِّر إخوانه المسلمين من هؤلاء المخادعين أو المخدوعين، وينبغي أن يقوم الدعاة والإعلاميون بتوعية الناس حتى لا يقعوا في حبائلهم، ويجب أن تقوم الهيئات الرقابية بالدولة بواجبها لمنعها هذه المعاملة المحرمة التي تفسد اقتصاد البلاد وتفسد دنيا العباد وآخرتهم،  وأن تقوم بواجبها للأخذ على أيدي من يروجون لها. حفظ الله بلادنا من الشر وأهله.

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبرضاك عن سخطك واغننا بفضلك وكرمك وجودك عمن سوالك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في انتظار نصائحكم لتطوير هذه المدونة