عالم الإبداع

عالم الإبداع

مدونة عامة في كل المجالات

أهم المواضيع

2023/11/15

نوفمبر 15, 2023

Vlad the Impaler **فلاد الثالث المخوزق**

 




**فلاد الثالث المخوزق**


فلاد الثالث المخوزق، أو فلاد تسيبيش، أو فلاد الابن، هو أمير والاكيا الرومانية، وُلد عام 1431م، وتوفي عام 1476م. اشتهر فلاد بوحشيته في التعامل مع أعدائه، وخاصة العثمانيين، الذين كانوا يهددون بلاده.


نشأ فلاد في أسرة نبيلة، وكان والده، دراغول، أمير والاكيا. تعلم فلاد فنون القتال منذ صغره، وشارك في العديد من المعارك ضد العثمانيين.


في عام 1448م، أصبح فلاد أميرًا للواكيا، وكان في التاسعة عشرة من عمره. لكن العثمانيين لم يقبلوا حكمه، وسرعان ما أطاحوا به.


في عام 1456م، انضم فلاد إلى الجيش المجري في حملة ضد العثمانيين، وشارك في معركة بلجراد الشهيرة، التي هزم فيها العثمانيون.


في عام 1457م، استعاد فلاد حكم والاكيا، وبدأ في محاربة العثمانيين مرة أخرى. استخدم فلاد أساليب قاسية في التعامل مع أعدائه، وكان يشتهـر بـ "المخوزق"، وهو أسلوب تعذيب يقضي بوضع الضحية على خازوق طويل، ثم دفعه إلى الأعلى حتى يموت.


في عام 1462م، هاجم العثمانيون والاكيا مرة أخرى، وتمكنوا من أسر فلاد. سجن العثمانيون فلاد في إسطنبول لمدة أربع سنوات، ثم أطلقوا سراحه في عام 1466م.


عاد فلاد إلى والاكيا، وواصل محاربة العثمانيين. في عام 1476م، هزم العثمانيون فلاد في معركة، وقتلوه.


**شخصية فلاد**


كانت شخصية فلاد غامضة ومثيرة للجدل. يراه البعض بطلًا قوميًا دافع عن بلاده من الغزو العثماني، بينما يراه البعض الآخر طاغية وحشيًا.


هناك العديد من الروايات والأساطير حول فلاد. تروي إحدى الروايات أن فلاد كان يأكل لحوم أعدائه، وأن كان يشرب الدم. لكن هذه الروايات غير مؤكدة، ولا يوجد دليل تاريخي يدعم صحتها.


**تأثير فلاد**


كان لفلاد تأثير كبير على الثقافة الشعبية. ظهر فلاد في العديد من الأعمال الأدبية والفنية، مثل رواية "دراكولا" للكاتب برام ستوكر، وفيلم "دراكولا" للمخرج فرانك شتاينر.


يُعتبر فلاد شخصية مثيرة للاهتمام، ولا يزال الجدل حوله مستمرًا حتى اليوم.

2023/05/07

مايو 07, 2023

٤٠ مدينه مصرية تأسست قبل الميلاد ومازالت حتي اليوم





 ٤٠ مدينه مصرية تأسست قبل الميلاد ومازالت حتي اليوم

 هي بالترتيب كالتالي:

الفيوم : 4000 ق.م 

نقادة : 4000 ق.م

 صان الحجر : 3300 ق.م

  تل الفراعين : 3250 ق.م

ميت راهينة : 3200 ق.م

و هليوبوليس : 3200 ق.م

و أبو صير : 3200 ق.م 

  قفط : 3200 ق.م

و تل بسطة : 3150 ق.م

‏و أسوان : 3150 ق.م

  كوم أمبو : 3150 ق.م

  أخميم : 3100 ق.م

  إهناسيا : 3000 ق.م

  أبيدوس : 3000 ق.م

  إدفو : 2880 ق.م

و رشيد : 2690 ق.م

  إسنا : 2660 ق.م

  أرمنت : 2600 ق.م

  المدامود : 2590 ق.م

ومدنة طنطا 2590 ق.م

  الأقصر 2575 ق.م

  قفط : 2400 ق.م

سخا : 2345 ق.م 

  دندرة 2300 ق.م

  دمنهور : 2180 ق.م

  تل المسخوطة : 2160 ق.م

  بنها 2100 ق.م

  سمنود 1990 ق.م

  اسيوط : 1800 ق.م

  دمياط : 1750 ق.م

  الفرما : 1725 ق.م

  القوصية 1725 ق.م

  الاشمونين : 1650 ق.م

  هور : 1640 ق.م

  القصير : 1600 ق.م

تل العمارنة : 1346 ق.م

  أطفيح 950 ق.م

  راقودة 650 ألف ق.م

  أبو قير : 600 ق.م

  الأسكندرية 332 ق.م 

  برنيس : 275 ق.م.

2022/04/24

أبريل 24, 2022

جزيرة الغد و جزيرة الأمس

 • جزيرتان إذا انطلقت من إحداها اليوم سوف تصل بالأمس




_ لكن هناك أمر غريب بشكل استثنائي فيما يتعلق بالجزيرتين ديوميدي الكبرى Big Diomede (في أقصى شرق روسيا) وديوميدي الصغرى Little Diomede (داخل حدود الولايات المتحدة) والتي تتحدى قانون المناطق الزمنية ، فهما جزيرتان متجاورتان والمسافة بينهم ٤ كلم فقط ولكن يوجد فرق زمني ٢١ ساعة بينهما .

_ جزيرتين يمكن المشي بينهما خلال فصل الشتاء لأن المياة تكون متجمدة ، ولكن الفرق الزمني الشاسع يمكن أن يغيّر الأحداث العادية بطرق عجيبة ، فعندما يكون الوقت عصراً في الجزيرة الروسية يكون أيضاً الوقت عصراً في الجزيرة الأمريكية ، لكن في الجزيرة الروسية عصر اليوم ، وفي الجزيرة الأمريكية عصر الأمس ، أي إذا كنت تسكن في الجزيرة الروسية وقررت الذهاب "عصر اليوم ١٢ نيسان" لزيارة صديق يسكن في الجزيرة الأمريكية سوف تصل "عصر الأمس ١١ نيسان".

• ولكن ما هو سبب هذا الفارق الزمني الضخم ؟

_ بسبب الموقع المميز للجزيرتين ، يمر خط التاريخ الدولي (IDL) بينهما ، وهو خط وهمي يمر عبر المحيط الهادي ويضبط التوقيت الزمني في العالم ، لذلك تتقدم جزيرة ديوميدي الكبرى ٢١ ساعة عن جزيرة ديوميدي الصغرى ، فأصبحت تسميان بـ #جزيرة_الغد و #جزيرة_الأمس .

2021/11/04

نوفمبر 04, 2021

معلقة عمرو بن كلثوم

 معلقة عمرو بن كلثوم


معلقة عمرو بن كلثوم


أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا 

وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا

مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا 

إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَـا

تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ 

إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَـا

تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ 

عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَـا

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍو 

وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَـا

وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو 

بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَـا

وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ 

وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَـا

وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا 

مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَـا

قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا 

نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَـا

قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً 

لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَـا

بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً 

أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَـا

وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ 

وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَـا

تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ 

وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَـا

ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ 

هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَـا

وثَدْياً مِثْلَ حُقِّ العَاجِ رَخِصـاً 

حَصَـاناً مِنْ أُكُفِّ اللاَمِسِيْنَـا

ومَتْنَى لَدِنَةٍ سَمَقَتْ وطَالَـتْ 

رَوَادِفُهَـا تَنـوءُ بِمَا وَلِيْنَـا

وَمأْكَمَةً يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا 

وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَـا

وسَارِيَتِـي بَلَنْـطٍ أَو رُخَـامٍ 

يَرِنُّ خَشَـاشُ حَلِيهِمَا رَنِيْنَـا

فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقبٍ 

أَضَلَّتْـهُ فَرَجَّعـتِ الحَنِيْنَـا

ولاَ شَمْطَاءُ لَم يَتْرُك شَقَاهَـا 

لَهـا مِن تِسْعَـةٍ إلاَّ جَنِيْنَـا

تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّـا 

رَأَيْتُ حُمُـوْلَهَا أصُلاً حُدِيْنَـا

فَأَعْرَضَتِ اليَمَامَةُ وَاشْمَخَـرَّتْ 

كَأَسْيَـافٍ بِأَيْـدِي مُصْلِتِيْنَـا

أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا 

وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا

بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً 

وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا

وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ 

عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا

وَسَيِّـدِ مَعْشَـرٍ قَدْ تَوَّجُـوْهُ 

بِتَاجِ المُلْكِ يَحْمِي المُحْجَرِيْنَـا

تَرَكْـنَ الخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْـهِ 

مُقَلَّـدَةً أَعِنَّتَهَـا صُفُـوْنَـا

وَأَنْزَلْنَا البُيُوْتَ بِذِي طُلُـوْحٍ 

إِلَى الشَامَاتِ نَنْفِي المُوْعِدِيْنَـا

وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّـا 

وَشَـذَّبْنَا قَتَـادَةَ مَنْ يَلِيْنَـا

مَتَى نَنْقُـلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَـا 

يَكُوْنُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِيْنَـا

يَكُـوْنُ ثِقَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْـدٍ 

وَلُهْـوَتُهَا قُضَـاعَةَ أَجْمَعِيْنَـا

نَزَلْتُـمْ مَنْزِلَ الأَضْيَافِ مِنَّـا 

فَأَعْجَلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُوْنَـا

قَرَيْنَاكُـمْ فَعَجَّلْنَـا قِرَاكُـمْ 

قُبَيْـلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُوْنَـا

نَعُـمُّ أُنَاسَنَـا وَنَعِفُّ عَنْهُـمْ 

وَنَحْمِـلُ عَنْهُـمُ مَا حَمَّلُوْنَـا

نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا 

وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَـا

بِسُمْـرٍ مِنْ قَنَا الخَطِّـيِّ لُـدْنٍ 

ذَوَابِـلَ أَوْ بِبِيْـضٍ يَخْتَلِيْنَـا

كَأَنَّ جَمَـاجِمَ الأَبْطَالِ فِيْهَـا 

وُسُـوْقٌ بِالأَمَاعِـزِ يَرْتَمِيْنَـا

نَشُـقُّ بِهَا رُؤُوْسَ القَوْمِ شَقًّـا 

وَنَخْتَلِـبُ الرِّقَـابَ فَتَخْتَلِيْنَـا

وَإِنَّ الضِّغْـنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَبْـدُو 

عَلَيْـكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِيْنَـا

وَرِثْنَـا المَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَـدٌّ 

نُطَـاعِنُ دُوْنَهُ حَـتَّى يَبِيْنَـا

وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الحَيِّ خَـرَّتْ 

عَنِ الأَحْفَاضِ نَمْنَعُ مَنْ يَلِيْنَـا

نَجُـذُّ رُؤُوْسَهُمْ فِي غَيْرِ بِـرٍّ 

فَمَـا يَـدْرُوْنَ مَاذَا يَتَّقُوْنَـا

كَأَنَّ سُيُـوْفَنَا منَّـا ومنْهُــم 

مَخَـارِيْقٌ بِأَيْـدِي لاَعِبِيْنَـا

كَـأَنَّ ثِيَابَنَـا مِنَّـا وَمِنْهُـمْ 

خُضِبْـنَ بِأُرْجُوَانِ أَوْ طُلِيْنَـا

إِذَا مَا عَيَّ بِالإِسْنَـافِ حَـيٌّ 

مِنَ الهَـوْلِ المُشَبَّهِ أَنْ يَكُوْنَـا

نَصَبْنَـا مِثْلَ رَهْوَةِ ذَاتَ حَـدٍّ 

مُحَافَظَـةً وَكُـنَّا السَّابِقِيْنَـا

بِشُبَّـانٍ يَرَوْنَ القَـتْلَ مَجْـداً 

وَشِيْـبٍ فِي الحُرُوْبِ مُجَرَّبِيْنَـا

حُـدَيَّا النَّـاسِ كُلِّهِمُ جَمِيْعـاً 

مُقَـارَعَةً بَنِيْـهِمْ عَـنْ بَنِيْنَـا

فَأَمَّا يَـوْمَ خَشْيَتِنَـا عَلَيْهِـمْ 

فَتُصْبِـحُ خَيْلُنَـا عُصَباً ثُبِيْنَـا

وَأَمَّا يَـوْمَ لاَ نَخْشَـى عَلَيْهِـمْ 

فَنُمْعِــنُ غَـارَةً مُتَلَبِّبِيْنَــا

بِـرَأْسٍ مِنْ بَنِي جُشْمٍ بِنْ بَكْـرٍ 

نَـدُقُّ بِهِ السُّـهُوْلَةَ وَالحُزُوْنَـا

أَلاَ لاَ يَعْلَـمُ الأَقْـوَامُ أَنَّــا 

تَضَعْضَعْنَـا وَأَنَّـا قَـدْ وَنِيْنَـا

أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا 

فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا

بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ 

نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا

بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ 

تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا

تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً 

مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا

فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ 

عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا

إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَـأَزَّتْ 

وَوَلَّتْـهُ عَشَـوْزَنَةً زَبُـوْنَـا

عَشَـوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّـتْ 

تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِيْنَـا

فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْـرٍ 

بِنَقْـصٍ فِي خُطُـوْبِ الأَوَّلِيْنَـا

وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ 

أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا

وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاً وَالخَيْرَ مِنْـهُ 

زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا

وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً 

بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا

وَذَا البُـرَةِ الذِي حُدِّثْتَ عَنْـهُ 

بِهِ نُحْمَى وَنَحْمِي المُلتَجِينَــا

وَمِنَّـا قَبْلَـهُ السَّاعِي كُلَيْـبٌ 

فَـأَيُّ المَجْـدِ إِلاَّ قَـدْ وَلِيْنَـا

مَتَـى نَعْقِـد قَرِيْنَتَنَـا بِحَبْـلٍ 

تَجُـذَّ الحَبْلَ أَوْ تَقْصِ القَرِيْنَـا

وَنُوْجَـدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَـاراً 

وَأَوْفَاهُـمْ إِذَا عَقَـدُوا يَمِيْنَـا

وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَـزَازَى 

رَفَـدْنَا فَـوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَـا

وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى 

تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا

وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا 

وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا

وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا 

وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا

وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا 

وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا

فَصَالُـوا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِـمْ 

وَصُلْنَـا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَـا

فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا 

وَأُبْـنَا بِالمُلُـوْكِ مُصَفَّدِيْنَــا

إِلَيْكُـمْ يَا بَنِي بَكْـرٍ إِلَيْكُـمْ 

أَلَمَّـا تَعْـرِفُوا مِنَّـا اليَقِيْنَـا

أَلَمَّـا تَعْلَمُـوا مِنَّا وَمِنْكُـمْ 

كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرْتَمِيْنَـا

عَلَيْنَا البَيْضُ وَاليَلَبُ اليَمَانِـي 

وَأسْيَـافٌ يَقُمْـنَ وَيَنْحَنِيْنَـا

عَلَيْنَـا كُـلُّ سَابِغَـةٍ دِلاَصٍ 

تَرَى فَوْقَ النِّطَاقِ لَهَا غُضُوْنَـا

إِذَا وَضِعَتْ عَنِ الأَبْطَالِ يَوْمـاً 

رَأَيْـتَ لَهَا جُلُوْدَ القَوْمِ جُوْنَـا

كَأَنَّ غُضُـوْنَهُنَّ مُتُوْنُ غُـدْرٍ 

تُصَفِّقُهَـا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَـا

وَتَحْمِلُنَـا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُـرْدٌ 

عُـرِفْنَ لَنَا نَقَـائِذَ وَافْتُلِيْنَـا

وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثـاً 

كَأَمْثَـالِ الرِّصَائِـعِ قَدْ بَلَيْنَـا

وَرِثْنَـاهُنَّ عَنْ آبَـاءِ صِـدْقٍ 

وَنُـوْرِثُهَـا إِذَا مُتْنَـا بَنِيْنَـا

عَلَـى آثَارِنَا بِيْـضٌ حِسَـانٌ 

نُحَـاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَـا

أَخَـذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْـداً 

إِذَا لاَقَـوْا كَتَـائِبَ مُعْلِمِيْنَـا

لَيَسْتَلِبُـنَّ أَفْـرَاسـاً وَبِيْضـاً 

وَأَسْـرَى فِي الحَدِيْدِ مُقَرَّنِيْنَـا

تَـرَانَا بَارِزِيْـنَ وَكُلُّ حَـيٍّ 

قَـدْ اتَّخَـذُوا مَخَافَتَنَا قَرِيْنـاً

إِذَا مَا رُحْـنَ يَمْشِيْنَ الهُوَيْنَـا 

كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُوْنُ الشَّارِبِيْنَـا

يَقُتْـنَ جِيَـادَنَا وَيَقُلْنَ لَسْتُـمْ 

بُعُوْلَتَنَـا إِذَا لَـمْ تَمْنَعُـوْنَـا

ظَعَائِنَ مِنْ بَنِي جُشَمِ بِنْ بِكْـرٍ 

خَلَطْـنَ بِمِيْسَمٍ حَسَباً وَدِيْنَـا

وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَـرْبٍ 

تَـرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِيْنَـا

كَـأَنَّا وَالسُّـيُوْفُ مُسَلَّـلاَتٌ 

وَلَـدْنَا النَّـاسَ طُرّاً أَجْمَعِيْنَـا

يُدَهْدِهنَ الرُّؤُوسِ كَمَا تُدَهْـدَي 

حَـزَاوِرَةٌ بِأَبطَحِـهَا الكُرِيْنَـا

وَقَـدْ عَلِمَ القَبَـائِلُ مِنْ مَعَـدٍّ 

إِذَا قُبَـبٌ بِأَبطَحِـهَا بُنِيْنَــا

بِأَنَّـا المُطْعِمُـوْنَ إِذَا قَدَرْنَــا 

وَأَنَّـا المُهْلِكُـوْنَ إِذَا ابْتُلِيْنَــا

وَأَنَّـا المَانِعُـوْنَ لِمَـا أَرَدْنَـا 

وَأَنَّـا النَّـازِلُوْنَ بِحَيْثُ شِيْنَـا

وَأَنَّـا التَـارِكُوْنَ إِذَا سَخِطْنَـا 

وَأَنَّـا الآخِـذُوْنَ إِذَا رَضِيْنَـا

وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا 

وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا

وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً 

وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا

أَلاَ أَبْلِـغْ بَنِي الطَّمَّـاحِ عَنَّـا 

وَدُعْمِيَّـا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُوْنَـا

إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفـاً 

أَبَيْنَـا أَنْ نُقِـرَّ الـذُّلَّ فِيْنَـا

مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا 

وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا

إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ 

تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا

2021/10/02

أكتوبر 02, 2021

حدث معي/ أحمد خالد توفيق

قصة حدثت معي
أحمد خالد توفيق

بقلم / أحمد خالد توفيق..
 كنت أقف لدى أحد القصابين أبتاع لحمًا. كان سعر كيلوجرام اللحم وقتها أربعين جنيهًا مما يدلك على أنها ذكرى قريبة جدًا !.. وكان القصاب يتسلى بممارسة (النصاحة) معي، وهو يسخر في سره من أستاذ الجامعة الذي يمكنه أن يقنعه بأي شيء أو يدس له أردأ قطع اللحم، مقنعًا إياه أنها (قطعيات) نادرة لها ثمن خاص. هنا رأيت امرأة مسنة في الستين من العمر تقريبًا تخطو مترنحة في الشارع أمام محل القصاب، ثم سقطت أرضًا فاقدة الوعي. تعاوننا على نقلها إلى الداخل الظليل وقدم لها صبي القصاب كوب ماء. كانت امرأة بسيطة ريفية لا تكف عن البكاء الهستيري ولطم الخدين. وفي يدها لمحت رزمة ممزقة يطل منها بعض الورق الأبيض بحجم ورقة البنكنوت. لما تمكنت من الكلام أخيرًا، قالت إنها من السنطة، وهي مركز صغير من مراكز الغربية يقع على بعد ثلث ساعة من قلب طنطا. قالت إنها كانت في موقف السيارات تبغي الركوب لطنطا، عندما توقفت سيارة أمامها بها رجلان. أكبر الرجلين ناداها باسمها وقال إنه صديق ابنها وعرض عليها توصيلها لطنطا. وافقت في حماسة على سبيل (الاستخسار). في الطريق إلى طنطا دار حوار سريع. أبدى الرجل الأول إعجابه بالحلي التي تلبسها.. القرط والقلادة والسوار، وعرض عليها أن يشتري منها هذا الذهب بخمسين ألف جنيه (وهو مبلغ ممتاز بأسعار الذهب وقتها) فوافقت على الفور، وتم التبادل. أخذ منها الذهب وناولها لفافة مليئة بالبنكنوت وعدّ لها الرزم .. ثلاث .. أربع .. خمس رزم .. مبروك. ثم أنها ترجلت من السيارة في طنطا سعيدة بالصفقة الذكية التي أبرمتها، وفتحت اللفافة – بمجرد ابتعاد السيارة – لترى المال فاكتشفت أنها أوراق بيضاء غلفت بالعملة على الجانبين على طريقة السينما.. صرخت وغابت عن الوعي. كان الجزار يستمع لها في غير تعاطف وهو يمضغ لفافة التبغ، أما أنا فكنت في ذهول من كل هذا القدر من الجشع والحمق والغباء. الصفقات لا تتم بهذه السرعة والسهولة.. لا أحد يركب مع غرباء، فإذا ركب فهو لا يبيع الذهب، فإذا باع فهو لا يأخذ رزم مال مغلقة لا يعرف ما فيها. بقرة آدمية هي. قال لها الجزار في فتور إن عليها أن تذهب لقسم الشرطة لتبلغ عن النصب الذي تعرضت له، فعرضتُ في حماسة وأريحية أن آخذها هناك بسيارتي. مال علي وهمس من تحت شاربه الغليظ: -ـ«لا تتورط يا دكتور .. سوف تتهمك بأنك من سرق ذهبها بمجرد أن تنزل أمام قسم الشرطة!» قلت له في عدم فهم: -ـ«كيف ؟… إنها ضحية !» -ـ«اسمع الكلام !» ثم مد يده طالبًا ثلاثة جنيهات مني .. كان هذا هو أجر سيارة الأجرة وقتها، ثم لوح بالسكين لسيارة أجرة مارة ففتح الباب وألقى بالعجوز إلقاء داخل السيارة، ودفع للسائق ثلاثة الجنيهات، وأمره أن يأخذها إلى قسم ثان طنطا و«خلي بالك منها يا هندزة .. دي زي والدتك». ابتعدت سيارة الأجرة هنا أطلت العجوز من النافذة وصاحت بصوت رفيع وهي تشير نحوي: -ـ«هو ده اللي ……….» لكن السيارة كانت قد ابتعدت .. قال الجزار وهو يزن اللحم الرديء لي لأنصرف: -ـ«لا يمكن تصديق قصتها .. لا يوجد أحد بهذه البلاهة. يبدو أنها قامت باختلاق الأمر كله .. هناك احتمال كبير جدًا أنها كاذبة، وتريد توريط أفندي مثلك في مشكلة ليدفع لها.. الاحتمال الثاني أن قصتها حقيقية وأنها فعلاً بهذا الغباء والطمع.. من الوارد جدًا أن تتمسك بك وتصرخ أمام قسم الشرطة لتورطك في فضيحة ودفع مبلغ يعوض خسارتها .. صدقني يا دكتور .. نحن قمنا بالشيء الصحيح». تذكرت وجهها الغبي الجشع وهي تنظر من النافذة كدابّة .. هو ده اللي….. ؟ ماذا كانت تنوي قوله؟ كتلة ضيق الأفق التي لا يمكن التنبؤ برد فعلها. تذكرت رواية يوميات نائب في الأرياف عندما وقف وكيل النيابة الشاب مع توفيق الحكيم يراقبان عرضًا قانونيًا أمام فلاحة مسنة.. أوقفوا أمامها صفًا من الرجال لتختار من قتل زوجها منهم. تجاوزت الصف كله ثم هوت بقبضتها على صدر وكيل النيابة الشاب صارخة: «غريمي!». قال توفيق الحكيم إنه منذ ذلك الحين فقد الثقة في قيمة العروض القانونية مع كل هذا الغباء، ومع التراكوما والرمد البثري اللذين قضيا على بصر هؤلاء القوم. شكرت القصاب وأنا أحمل قطعة اللحم الرديئة، وقلت لنفسي إنه رجل أريب حذر يملك قدرًا هائلاً من النصاحة. تخلص من العجوز ولم يدفع حتى ثمن سيارة الأجرة بل تقاضاه مني، ثم تخلص من ألعن قطعة لحم لديه. قالت منال زوجتي عندما فتحت كيس اللحم: -«كيف ينجح القصاب في خداع رجل مثقف مثلك في كل مرة؟» قلت وأنا أغسل وجهي: -ـ«الثقافة شيء والذكاء شيء والنصاحة شيء آخر .. ما أعرفه هو أنه أنقذني من مشاكل محتملة لا حصر لها، لهذا أنحني له احترامًا وتوقيرًا. لقد استحق أن يخدعني». #أحمد_خالد_توفيق
أحمد خالد توفيق

2021/09/26

سبتمبر 26, 2021

البيان_لآخر_ثلاث_سور_من_القران

 

البيان_لآخر_ثلاث_سور_من_القران


#سلسلة_الخطب_السلفيه 


#البيان_لآخر_ثلاث_سور_من_القران 🗯️

التصنيف:- #القران_والتفسير


.   🗯️الخطبة الأولى🗯️ 


الْحَـمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. 


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]. 


﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]. 


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:7071]. 

أَمَّا بَعْد:  


فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كَلامُ اللهِ, وَخَيْرُ الْهَدْيِ, هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. 


إن من رحمة الله سبحانه وتعالى علينا أن بعث إلينا نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير الأنبياء والمرسلين؛ فأخرجنا الله عز وجل به من ظلمات الكفر والبدعة والشرك إلى نور التوحيد، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة:2]. 


وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران:164]. 


وقال الله سبحانه: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:151]، فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى، ويؤيده الله سبحانه بالقرآن الكريم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف:2]، وقال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء:193-195]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ [ص:29]، فهذا كتاب مبارك، معجزة مستمرة حتى قيام الساعة، أيد الله به نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتحدى الأنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء:88]. 


فهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن أيدهم بكتابه العزيز الذي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت:42]، هذا القرآن كتاب مبارك، من قرأه وتدبره انتفع به، ومن قرأ هذا لم ينتفع به، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابن مسعود، فَقَالَ: قَرَأْتُ المُفَصَّلَ –أي من سورة (ق) إلى سورة (الناس)- اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ: «هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، إِنَّ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ». 


وفي هذه الخطبة أذكِّر نفسي بفضيلة ثلاث سور في آخر القرآن، سور مباركة يحفظها جميع المسلمين وهي: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾. 


ينبغي للمسلم أن يتدبر هذه السور العظيمة، وأن يعلم فضائل هذه الثلاث السور التي ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضائلها،


وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحافظ على قراءتها وكان عليه الصلاة والسلام يعظم هذه السور، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحث الناس على هذه السور المباركات؛ يحثهم على قراءتها صباحا ومساءً وعند النوم في الليل وعقب الصلوات المكتوبات،


 ففي ”صحيح البخاري“ عَنْ عائشة رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»، فهي حصن عظيم من كل آفة، وحصن من شرور الإنس والجن وحصن من المس والعين وحصن من الشياطين، وحصن من الوسواس ومعنى: «ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا» أن ينفخ نفخا يسيرا يصاحبه شيء من الريق. 


فنحن أحوج إلى أن نتحصن من أعدائنا من شياطين الأنس والجن، ومن كل شر بقراءة هذه السور المباركة، قراءة ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، والمعوذتين، ومن فضائل هذه السور أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يمرض أحد من أهله إلا جمع كفيه ونفخ فيهما، ويقرأ هذه السور كما في ”الصحيحين“ من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، فهي سور عظيمة فضائل عظيمة فيها، وفي مستدرك الحاكم و سنن ابن ماجه وغيرهما من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اقْرَءُوا الْمُعَوِّذَاتِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ». 


فبعد كل صلاة مكتوبة يشرع لك قراءة هذه الثلاث السور تتقرب إلى الله تعالى متدبرا معانيها؛ فتنتفع بذلك؛ فتكون لك حصنًا من كل شر. 

وفي ”سنن أبي داود“ من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ رضي الله عنه قال: 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: : «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ». 

وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «آيَاتٌ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ، لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ قَطُّ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ». والحديث في ”صحيح مسلم“ عن عقبة بن عامر. 


فالمسلم يكثر من قراءة هذه السور المباركة تكون حصنا له من الشرور العظيمة، ولا يُؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه، وإلا لو أقبل على الله متوكلا عليه؛ فإن الله يعصمه، وإن الله كافيه؛ فإذا كان الله كافيك ومعك؛ فلا يستطيع أحد من المخلوقين أن يصل إليك بسوء قط: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾ [الرعد:11]. 


وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس: «وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»، فإنما نُؤتى يا عباد الله من قبل ضعف يقيننا وتوكلنا على الله سبحانه وتعالى، وإنما نُؤتى ونُؤذى من قبل ذنوبنا وتقصيرنا وقلة إخلاصنا ويقيننا بربنا سبحانه وتعالى. 


فعلى المسلم أن يشعر بتقصيره، وأن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يقوي يقينه بربه وتوكله على الله سبحانه وتعالى، ويقبل على الله عز وجل بحسن الظن والدعاء والإقبال على الله والتمسك بشرع الله سبحانه وتعالى وقراءة الكتاب والسنة، والإقبال على ما ينفعك أيها المسلم. 


وفي ”سنن النسائي“ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِي نَقَبٍ مِنْ تِلْكَ النِّقَابِ إِذْ قَالَ: «أَلَا تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟» فَأَجْلَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أَنْ أَرْكَبْ مَرْكَبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تَرْكَبُ يَا عُقْبَةُ؟» فَأَشْفَقْتُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَنَزَلَ وَرَكِبْتُ هُنَيْهَةً، وَنَزَلْتُ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكَ سُورَتَيْنِ مِنْ خَيْرِ سُورَتَيْنِ قَرَأَ بِهِمَا النَّاسُ؟» فَأَقْرَأَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ بِهِمَا، ثُمَّ مَرَّ بِي، فَقَالَ: «كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ؟ اقْرَأْ بِهِمَا كُلَّمَا نِمْتَ وَقُمْتَ».


وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»، أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء، وأبو داود من حديث أبي مسعود الأنصاري، وجاء عن جمع آخرين من الصحابة رضي الله عنهم، كلهم رووا هذا الحديث: «﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» تعدل ثلث القرآن بالأجر، فينبغي للمسلم أن يحرص على قراءة هذه السور.


 

ثم تدبر هذه السور المباركة، فــ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ هذه السورة المباركة فيها صفة الرحمن، وبيان أن الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد، ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:1-4].


 

ومعنى الصَّمَدُ: الذي تصمد إليه جميع الخلائق، وتحتاج إلى الله سبحانه وتعالى، تصمد إليه الخلائق حاجة له، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر:15].


 

والله سبحانه وتعالى مستغني عن كل ما سواه، فأنت إذا قرأت هذه السورة وعلمت أنها صفة الرحمن؛ فإن الإنسان يحبها، وفي صحيح البخاري ومسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ».


 

وفي ”مسند أحمد“، و”سنن النسائي“ والترمذي عَنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ».


 

وسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. فَقَالَ: «قَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ».

 

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أُصيبَ بسحر من قبل اليهود عصمه الله وشفاه فرقا نفسه بـ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ والمعوذتين، فرفعه الله عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

فينبغي علينا أن نكثر من قراءة هذه السور المباركة وأن نتدبر معانيها فننتفع بذلك بإذن الله عز وجل، والحمد لله رب العالمين. 


🗯️🗯️ البَيانُ لآخِرِ ثَلاثِ سورٍ مِنَ القُرآنِ 🗯️🗯️


.   🗯️الخطبة الثانية🗯️

  

 

الْحَـمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. 


  🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴


عباد الله: فقوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ بين سبحانه وتعالى عن نفسه جل وعلا أنه الواحد الأحد، وأنه لا شريك له، ولا مثيل له، ولا ند له، قال تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:65]، ومن جعل لله تعالى مثيلاً في ألوهيته أو ربوبيته أو في أسمائه وصفاته؛ فقد أشرك بالله: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج:31]، ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: آية رقم: (48) وآية رقم:(116)]. 

وسُئلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، فالله أحد، لا يقبل الله من مسلم شركا


 وفي الحديث القدسي، «قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». 

انظروا إلى غيرة الله سبحانه وتعالى لا يقبل منك أن تصرف عبادة لغيره، وإذا أردت بعبادتك وجها غير وجه الله تعالى أو جاها أو ثناء من الناس أو أردت شيئا من متاع الدنيا بعبادتك تركك الله وعبادتك.


والصمد تقدم تفسيرها، ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص:3-4]، اللهُ سبحانه وتعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء، والله سبحانه وتعالى ينفي عن نفسه الولادة، والولد لبيان كمال أحديته، وحياته وقيوميته تعالى: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص:4]، أي ليس له مثيل قط. 


وهكذا: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق:1-5]. 


والفلق بمعنى الصبح، وفسر بـ﴿إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام:95]، ومعنى الاستعاذة: الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى والرجوع إليه معتمدًا عليه في دفع الشر عنك. 


﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق:1-2]، أي: من كل شر مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى، فأنت تستعيذ بالله من جميع الشرور. 

والغاسق هو ظلمة الليل وما فيها من الهوام، وإذا وقب يعني إذا حضر ودخل. 


والنفاثات في العقد: فالعقد تعقدها السحرة والشياطين؛ لأذية المسلمين فينفثون فيها من أنفسهم الخبيثة؛ فبقراءتك لهذه السورة المباركة تستعيذ بالله من شرور السحر، ومن شرور الشياطين. 


﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق:5]، استعاذة من العين، قال النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا»، أي أن الإنسان إذا وقعت منه العين على أخيه المسلم؛ فينبغي أن يتوضأ له، ويعطيه ماء من جسمه، فيغتسل به المعين فيشفى بإذن الله تعالى. 


فهذه السورة المباركة فيها الاستعاذة من شرور العين، فأنت بحاجة إلى قراءة هذه السور المباركة؛ حتى تقي نفسك من شرور السحر والعين، وفي ”سنن أبي داود“ من حديث عن عائشة، قالت: كانَ يُؤمَر العائِنُ، فيتوضّأُ، ثم يَغْتَسِلُ منه المَعِينُ. 


وإذا لم تعلم من أصابك بالعين؛ فعليك بهذه السور المباركة، أَكثِر من قراءتها والنفث بها، والمسح على جسدك بها، متوكلا على الله، مستيقنا بالله أن الله سيدفع عنك الضر، ولا شك سيدفع عنك الضر؛ إذا كنت مع لله مستيقنا بالله تعالى؛ فهو القائل: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:186]، فسيستجيب الله سبحانه وتعالى. 


وتدبر أيضًا السورة الثالثة: تستعيذ بالله متوسلًا بربوبيته متوسلًا بألوهيته متوسلًا بملكه العظيم: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ [الناس:1-6]، الذي يوسوس في صدور الناس، عدوك الخبيث الشيطان الرجيم. 


قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ»، فيزين لك الشر، ويثبطك عن الخير، ويسبب فيك الغضب، وهو عدو: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6]. 


فكن أيها المسلم مستعيذًا بالله من هذا العدو، فكم من شرور ووسواس يقع فيها الناس، فعليك أن تلتجأ إلى تعالى وتكثر من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان، وأن تكثر من قراءة هذه السور المباركة. 


  🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴


ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم، والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم عليك باليهود والنصارى، ومن يمكر معهم على الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. 

اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄

سبتمبر 26, 2021

حكم إجراء عملية حقن مجهري لإنجاب مولود ذَكَر فتوي

 


فتوى فتاوى افتاء

حكم إجراء عملية حقن مجهري لإنجاب مولود ذَكَر

السؤال: 

شخص عنده خمس بنات، ويريد أن ينجب ولدًا ذكرًا، فنصحه البعض بأن يقوم بعملية حقن مجهري لينجب ذَكَرًا، وأن هذا متاح بالنسبة للطب الآن، وسؤاله: هل هذا جائز أم أن هذا فيه عدم رضا بقضاء الله وقدره؟ 

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهناك طريقتان في مسألة تحديد نوع الجنين:

الطريقة الأولى: مبنية على حقن مجهري لعدة بويضات في داخل الرحم حتى إذا نَمَت الأجنة وظهر نوعها اختار منها ما يريد وأجهض الباقي، وهذه محرمة؛ لأنها تتضمن الإجهاض بعد التخليق، وهو جناية محرمة، ولا يمكن أن يظهر التخليق إلا بعد الأربعين؛ فهذه الطريقة غير جائزة.

والطريقة الثانية: مبنية على تلقيح بويضات بالحيوانات المنوية خارج الرحم، فإذا انقسمت الخلية خارج الرحم إلى نحو ثمان خلايا أُخِذت واحدة ففحصت كروموسوماتها لمعرفة نوع الجنين المحتمل، فما وافق المطلوب زُرِع داخل الرحم؛ أعني الـسبع خلايا الباقية، وهي تكون جنينًا كاملًا، وهذه الطريقة لا تتضمن محرمًا، فهي جائزة -وإن كانت مكلَّفة الثمن-. 

وهذا أخذ بالأسباب، ليس فيه اعتراض على القَدَر.

2021/09/25

سبتمبر 25, 2021

مراقبةالعبد ربه في نفسه وجميع أموره و أحواله

 خطبة مكتوبة بعنوان:

#مراقبة_العبد_ربه_في_نفسه_وجميع_أموره_وأحواله “

 



الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله جابرِ قلوب المُنكسرة قلوبهم مِن أجْلِه، وغافرِ ذنوب المستغفرين بفضله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا شيء كمثله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه بالهدى ودين الحق ليُظهِرَه على الدين كلِّه، وخيَّرَه بين أنْ يكون ملِكًا نبيًّا أو عبدًا رسولاً، فاختار مقام العبودية مع الرسالة، تنويهًا بشرَف هذا المَقام وفضلِه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والمستمسكين مِن بعدِهِم بحبلِه.

أمَّا بعد أيُّها الناس:

فإنَّ مِن أعظم وأنفع ما يَعظ بِه الواعظون، ويُوصِي بِه الموصُون، ويَنصح بِه الناصحون، ويُرشِد إليه المتكلِّمون: “مراقبةَ العبد ربَّه ــ جلَّ وعلا ــ في نفسه، وفي جميع أموره وأحواله، ومع جميع خلقه، وفي السِّر والعلَن، والحضَر والسفر”.

فراقبوا الله ــ جلَّ وعزَّ ــ في جميع أحوالكم، وسائر أوقاتكم، وفي كل ما تفعلون وتَذرون، فإنَّه سبحانه مطَّلِع على قلوبكم، ومطَّلِع على أقوالكم، ومطَّلِع على أفعالكم، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولا يَخرج عن علمه شيء في سائر الأزمان، ولا يَغيب عنه مثقالُ ذرة مِن طاعة أو عصيان، وقد قال سبحانه مُرهِّبًّا لنا: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }، أي: مراقبًا لنا ولكل شيء، وعالمًا بِنا وبكل شيء، وقائمًا علينا وعلى كل شيء، وقادرًا علينا وعلى كل شيء، فالخلق خلقُه، والأمر أمْرُه، وإليه يُرجع الأمر كلُّه، له ما بين أيدينا، وما خلفنا، وما بين ذلك، وما كان ربُّك نسيًّا.

وسُئِل إسماعيل بن نُجيد ــ رحمه الله ــ: (( مَا الَّذِي لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْهُ؟ قَالَ: مُلَازَمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى السُّنَّةِ، وَدَوَام الْمُرَاقَبَةِ )).

واعلموا أنَّ مراقبة الله العزيز القادر تتأكد علينا في أحوال ثلاثة:

الحال الأوَّل: أنْ نُراقِبَه سبحانه حين فِعل الطاعات والعبادات القولية والفعليه.

فنُراقِبَه في قصْد قلوبنا مِن فِعلها، وهل مرادنا وجْهَه سبحانه ورضاه عنَّا أو حصول الذِّكر والمدح والسُّمعة والشُّهرة، هل المُحرِّك لنا إليها هو الهَوى والنَّفس أو هو الله تعالى خاصة، لأنَّ هذه المراقبة تُصلِح قلوبنا، وقد قال أبو حفصٍ لأبي عثمانَ النيسابوري ــ رحمهما الله ــ: (( إِذَا جَلَسْتَ لِلنَّاسِ فَكُنْ وَاعِظًا لِقَلْبِكَ وَنَفْسِكَ، وَلَا يَغُرَّنَّكَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ يُرَاقِبُونَ ظَاهِرَكَ، وَاللَّهُ يُرَاقِبُ بَاطِنَكَ )).

ونُراقِبَه في صفة فِعلها حين أدائها، وهل فِعْلُنا لها مبنيٌّ على علمٍ أمْ على جهل، أموافقٌ للسُّنَّة أمْ مُخالف، لأنّ هذه المراقبة تُصلِح طاعاتنا وعباداتنا وأعمالنا، وتجعلها مقبولة عند الله ربنا وحسَنة، إذ العبرة في شريعة الله إنَّما هي بحُسن العمل لا بكثرته، حيث قال الله سبحانه في أوَّل سورة المُلك: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا }، والعمل لا يكون حسنًا ومقبولًا عند الرَّب تعالى وتقدَّس إلا بشرطين يجب أنْ يُحققهما العامل:

أوَّلُهُما: أنْ يكون قصده مِن عمله حين فِعله له هو وجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته.

والثاني مِنهما: أنْ يكون ما عمله مِن عملٍ قد دَلَّ عليه دليل مِن الشريعة.

وقد ثبت عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الِاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي بِدْعَةٍ ))، أيْ: فِعلُ عملٍ قليلٍ عليه دليل مِن السُّنَّة النَّبوية خيرٌ وأعظم مِن فِعل عملٍ كثيرٍ ليس عليه دليل.

وما لا دليل عليه في الشرع يُسمَّى بِدعة، والبِدعة محرٌّمة بنصِّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي مِن أغلظ وأشدِّ المحرَّمات.

الحال الثاني: أنْ نُراقِبَه سبحانه عند الهَمِّ بفعل السيئات والخطيئات.

سيِّئات القلب، مِن حُبِّه وبُغضه على خلاف شريعة الله، وغِلِّه وحِقده وحَسده وضغينته وكُرْهه، وسيِّئات اللسان، مِن غِيبةٍ ونَميمة وكذب ولعن وسَبٍّ وسُخرية واستهزاء وقولٍ في دين الله بغير علم، وسيِّئات الجوارح، سيِّئات السَّمْع والبَصر واليدين والقدمين والفَرْج، لأنَّ هذه المراقبة تنفعنا أشدَّ نفع، ويَحصل لنا بِها غُنمٌ كبير، ونَجد خيرَها وبركتَها وثمرَتها في الدنيا قبل الآخرة، حيث تمنعُنا عن مُقارفة كثير مِن الآثام والفواحش والقبائح، أو على الأقَلّ تُخفِّف مِن فِعلنا لها وتُقلِّل.

الحال الثالث: أنْ نُراقِبَه سبحانه في الخَلوة والسِّر كما نُراقبه في العلَن.

فنُراقِبَه في الخلوة حين لا يرانا أحد مِن الناس، ولا يعلم بنا أحد مِن الخلق، حين نخلو بأنفسنا، أو نبتعد عمَّن يَعرفنا، فلا نتجرَّأ على فِعل المعاصي، ومُقارفة الفواحش، وإتيان القبائح، وترْك الفرائض، وتعطيل الواجبات، وتضييع الحقوق، لأنَّ بعض الناس تَضعُف عنده مراقبة الله إذا خلا بنفسه وانفرد عن أهله أو رفاقه أو غيرهم، فتراه يجترأ على محارم الله، فيُمارس المحرمات والقبائح أو يَنظر إليها عبر الفضائيات، وفي مواقع الإنترنت، أو يتكلَّم بها عبْر الهواتف وبرامج التواصل مع مَن لا يَحِلُّ له مِن الإناث أو الذكور، وبعضهم تَضعُف عنده مراقبة الله تعالى أكثر إذا سافر وترَك مدينته وقريته وأهله وأقاربه ورِفاقه فيفعل مِن الرذائل والقبائح والفواحش ما يَشيب له الرأس، ويترُك مِن الفرائض الكثير، فقد أصبح في بلاد غُربة لا يعرفه أهلها، ولا يَدرون مَن هو، فلا يستحيي مِنهم، ولا يخشى الفضيحة بينهم، ولا يَخاف عقوبة، فقد يكون في بلد تسمح بالفجور، ولا تُجرِّم انتهاك محارم الله، وتجاوز حدوده.

ولئنْ خلا صاحب هذا الحال عن الناس أو ذهب عن بلده وأهله ومَن يعرفونه فأين يذهب مِن  ربِّه ــ عزَّ وجلَّ ــ القائل في تنزيله ووحيه مُحذِّرًا: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }، معكم بعلمه وقدرته في جميع أماكن وجودكم مِن الأرض، فهو سبحانه يرانا ونحن في البَرِّ، ويرانا ونحن في الجوِّ، ويرانا ونحن في البحر، يرانا ونحن في بيوتنا وبلداننا مع أهلينا وقرابتنا وأصدقائنا، ويرانا ونحن في غير بلداننا مع الغرباء والأباعد، ويرانا ونحن في الأسواق، وفي الطُّرقات، وفي الفنادق، وفي المراكب، وفي الملاعب، وفي البحار، وفي المسابح، وفي الملاهي.

أين نفر، وكيف نتخفَّى، وبمَن نَلوذ ونحتمِي، لا مفرَّ مِن الله إلا إليه، فهو معنا بعلمه وإحاطته، ومعنا بسمعه وبصره، ومعنا بقدْرته علينا أينما كنَّا، وحيث تواجدنا، وعلى أيِّ حالة صِرنا، ومع أيِّ الناس شئنا.

 وهذا من أعظم وأشد وأغلظ الوعيد الصارف للعبد عن اقتراف الآثام، والتقصير في العبادات، وإضاعة الحقوق، والتفريط في الواجبات لِمَن كان له قلب ليِّن مُنيب حيٌّ سلِيم.

أين يذهب مَن هذه حاله مِن قول ربِّه سبحانه مُتوعِّدًا ومهدداً: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِل الْمِرْصَادِ }، أي: يَرصُد أعمال العباد في الدنيا فلا يفوته مِنها شيء وإن دَقَّ، ولا يَعزُب عنه ما فعلوه في شبابهم ولا ما فعلوه في كُهولتهم، ولا ما فعلوه في شيخوختهم، وهو بالمرصاد لِمَن يُبارزه بالعصيان، والتفريط فيما أوجَب، حيث يُمهله قليلاً، ثم يأخذه أخْذَ عزيز مُقتدِر، أخْذًا أليمًا، أخذًا وبيلًا، حينها يقول مُتحسِّرًا مُتألِّمًا: { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ }{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }{ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي }.

أيُّها الناس:

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ )).

وفي هذا الحديث الشريف بيانٌ لحال صِنفين من الناس:

أوَّلُهما: قوي المراقبة لله تعالى.

وهو الكيِّس اللَّبيب الحازم العاقل الذي ينظر في عواقب ما يَفعل ويترُك، ويقول ويسمع، فهو يُجاهد نفسه، بل يقهرها، ويستعملها فيما يعلم أنَّه ينفعها في دنياها، وبعد موتها في قبرها وآخِرتِها، حتى ولو كانت كارهة لذلك، فالنفس أمَّارة بالسوء إلا ما رَحِم ربِّي، فتحتاج إلى مجاهدةٍ شديدة، وقهرٍ لها وقسْر، وصبر على ذلك ومُصابرة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ))، وقال رجلُ لعبد الله بن عَمروٍ ــ رضي الله عنه ــ: (( مَا تَقُولُ فِي الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ؟ فقَالَ له: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَجَاهِدْهَا، وَابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَاغْزُهَا )).

والثاني مِنهما: ضعيف المراقبة لله بل عاجزها.

ومِن ضَعْفِ مراقبته وشدَّة عجزِه أنَّ كلَّما هوته نفسه وأرادت فِعله مِن شهوة أو معصية أجاب طلبها ولبّاه وبادر إليه، وهذا هو العاجز الأحمق الجاهل الذي لا يفكِّر في عواقب ما يَفعل ويترُك ويقول ويسمع، بل يُتابع نفسه على ما تهواه وتشتهيه، وهي لا تهوى إلا ما تظن أنَّ فيه لذَّتَها وشهوتَها في العاجل، وإنْ عاد ذلك بضرٍر لها فيما بعد الموت، وقد يعود ذلك عليها بِالضَّرر في الدنيا قبل الآخِرة، فيحصل له العار والفضيحة وسُقُوط المنزلة والهوان والخِزي، ويُحرَم بسبب ذلك مِن العلم النافع، والبركة في الرِّزق، وغير ذلك مِن الخيرات.

وفقني الله وإيَّاكم لاتباع رضوانه، وغمرَني وإيَّاكم بعفوه وغُفرانه، ورزقني وإيَّاكم خيرات بِرَّه وإحسانه، وأدخلنا في زُمرة أحبابه المخصوصين بِمَنِّه وأمانه، إنَّه سميع مجيب.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــ

الحمد لله ربَّ العالمين حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، كما يُحِب ربُّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهِه وعِزِّ جلاله، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعد، فيا أيًّها الناس:

إنَّ مِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة: ما حصل مِن نبي الله يوسف ــ عليه السلام ــ حين راودته امرأة عزيز مِصر عن نفسه حين خلَت بِه وغلَّقت الأبواب، حيث قال الله سبحانه عن ذلك: { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }.

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما جاء في قصة الثلاثة الذين أصابهم المطر، فأووا إلى غارٍ فانحدَرَت صخرةٌ فانطبقت عليهم، وأغلقت باب الغار، فقالوا: انظروا ما عملتم مِن الأعمال الصالحة فاسألوا الله تعالى بِها فإنَّه يُنجِّيكم، فذَكر كل واحد مِنهم سابقة خيرٍ سَبقت له مع ربَّه، فانحدَرَت عنهم الصخرة فخرجوا يمشون، وقصتهم مشهورة في “صحيح البخاري” وغيره، وكان مِن قول أحدِهم ومراقبته لربِّه: (( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا )).

ومِن صور المراقبة العظيمة الطيِّبة أيضًا: ما صحَّ عن نافع مولى ابن عمر ــ رحمه الله ــ: (( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ــ رضي الله عنهما ــ لَقِيَ رَاعِيًا بِطَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ: بِعْنِي شَاةً؟ قَالَ: لَيْسَتْ لِي. قَالَ لَهُ: فَتَقُولُ لِأَهْلِكَ أَكَلَهَا الذِّئْبُ؟ قَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ، قَالَ: اسْمَعْ، وَافِنِي هَاهُنَا إِذَا رَجَعْتَ مِنْ مَكَّةَ، وَمُرْ مَوْلَاكَ يُوَافِينِي هَاهُنَا، فَلَمَّا رَجَعَ لَقِيَ رَبَّ الْغَنَمِ وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ، وَاشْتَرَى مِنْهُ الْغُلَامَ، فَأَعْتَقَهُ وَوَهْبَ لَهُ الْغَنَمَ )).

جعلني الله وإيَّاكم مِمَّن إذا ذُكِّر ادَّكَر، وإذا وعِظ اعتبر، وإذا أُعطِي شَكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنَب استغفر، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، واجعلنا مِمَّن يكون يوم القيامة مُنعَّمًا مسرورًا، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

❄ا••┈┈•••✦🌟✦•••┈┈••ا❄